وليست صفة بل هي الذات قال الله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران: ٢٨] وليس المعنى يحذركم صفة هي نفسه، بل المعنى يحذركم الله إياه، أي: ذات الله، فمعنى يحذركم نفسه، أي: يحذركم الله من عقابه؛ لأنه جل وعلا أمرنا أن نعلم علماً مهماً فقال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)} [المائدة: ٩٨] فأمرنا أن نعلم هذا العلم المهم الذي فيه الترغيب والترهيب. الترهيب والتحذير في قوله:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، والترغيب في قوله:{وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فأمرنا سبحانه وتعالى أن نعلم عن أفعاله وصفاته ترهيباً وترغيباً، وهنا قال {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران: ٢٨]؛ لأن المقام مقام تهديد وعقوبة ولأنه يخاطب المشركين المكذبين.
وقوله:{الرَّحْمَةَ}، يعني: أن يرحم عباده - عزّ وجل -، ففرض هذا على نفسه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح القدسي:"إن رحمتي سبقت غضبي"(١)، وهذه الرحمة فرضها الله تعالى على نفسه، ولسنا نحن الذين فرضناها عليه.
فإن قال قائل: إننا نجد من الناس من أصابه البؤس والبلاء، وفقد المال، وفقد الأولاد، وهو في غاية البؤس، أين الرحمة؟
فالجواب: كل ما أصاب الإنسان من شيء من بلاء وهو مؤمن فإنه رحمة؛ لأنه إذا صبر أثيب ثواب الصابرين، وإذا
(١) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم (٧٤٢٢)، ومسلم كتاب التوبة، باب: في سعة رحمة الله، وأنها سبقت غضبه (٢٧٥١).