{أَنِ امْشُوا} دعوا هذه الدعوة لا تغرنكم {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (٦) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧)} [ص: ٦، ٧].
قوله:{قُلْ لَا أَشْهَدُ}، يعني: إن شهدتم فأنا بريء منكم، لا أشهد أن مع الله آلهة أخرى، {قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، كرر الأمر بالقول لأهمية الموضوع، فأمر أولًا بنفي شهادتهم، ثم أمر ثانيًا بإثبات شهادته أن الله إله واحد.
قوله:{قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}{بَرِيءٌ} البراءة بمعنى الخلو، ومنه أبرأ الرجل غريمه، أي: أخلاه من الدين الذي عليه، فمعنى {بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}، أي: أني خلي مما تشركون فأنبذه، ولا أقرُّ به.
وقوله:{مِمَّا تُشْرِكُونَ} يعم كل ما يشركون به.
فإن قال قائل: هل هو بريء من عيسى؟
فالجواب: إن عيسى - عليه السلام - لا يتبرأ منه الرسولُ - عليه الصلاة والسلام -، وبناءً على هذا فإما أن نجعل (ما) مصدرية، ويكون المعنى بريء من شرككم، وإما أن نجعلها موصولة ويستثنى من ذلك من يُعبَد من دون الله وهو صالح من الأنبياء والملائكة وغيرهم، وهذا نظير قول الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (١٠٠)} [الأنبياء: ٩٨ - ١٠٠].
لما نزلت هذه الآية احتج المشركون على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وقالوا: إذًا عيسى من أهل النار؛ لأنه