فالجواب: أن ذلك لإقامة الحجة عليهم، أي: على المكذبين؛ لأن هؤلاء المكذبين لو لم يأتهم رسول لقالوا: رَبَّنا لولا أرسلت إلينا رسولًا، ولو لم يأتهم رسول لكان لهم حجة، ولهذا قال الله - تعالى -: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} إلى قوله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥].
الفائدة الثانية: عتو بعض بني آدم حيث تأتيهم الآيات فيكذبون؛ لأنه ما من رسول بعثه الله إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهذا أمر لا بد منه لتقوم بها الحجة، فإذا كُذِّب الرسل مع هذه الآيات صار ذلك دليلًا على عظم عتو هؤلاء المكذبين.
الفائدة الثالثة: تسلية الله لنبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ لأن الإنسان إذا علم أن غيره قد أصابه ما أصابه هان عليه الأمر، وقد سبق في التفسير أمثلة لذلك من القرآن، ومن كلام العرب والواقع. شاهد بهذا، لو أن الإنسان أصيب بحادث وانكسرت قدمه، ثم حُدِّث أن آخر أصيب، وانقطعت الرجل مع الفخذ، فإنه يتسلى وتهون عليه المصيبة.
الفائدة الرابعة: الثناء على الرسل - عليهم الصلاة والسلام - بالصبر على ما كذبوا وعلى ما أوذوا.
فإن قال قائل: قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}[البقرة: ٢١٤] ما وجه قولهم: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}؟