الفائدة الثانية عشرة: أن هؤلاء المكذبين خسروا أنفسهم، يعني: كأن لم يوجدوا على الأرض؛ لأنهم لم يستفيدوا من حياتهم، ولذلك لمّا لم يستفيدوا من حياة الدنيا لم يستفيدوا من حياة الآخرة، فكانوا مخلدين في نار جهنم والعياذ بالله.
الفائدة الثالثة عشرة: أنه من الفصاحة أن يذكر السبب بعد المسبَّب، هذا إذا جعلنا جملة:{فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} خبراً، لقوله:{الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} وجه ذلك: أن سبب خسرانهم هو عدم الإيمان، فأُخر السبب وقدم المسبّب، أما إذا جعلناها جملة مستقلة فلا تتأتى هذه الفائدة؛ لأنها على الترتيب.
* * *
* قال الله - عزّ وجل -: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)} [الأنعام: ١٣].
قوله:{وَلَهُ} الضمير يعود على الله - عزّ وجل -.
قوله:{سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} يصح أن تكون من السكنى، ويصح أن تكون من السكون الذي هو ضد الحركة، فإن كانت من السكون، بقي أن يقال: وأين المتحرك؟؛ لأن الأشياء إما ساكن وإما متحرك، وهنا قال:{وَلَهُ مَا سَكَنَ} والجواب عن هذا الإشكال أن يقال: إن هذا من باب الاستغناء بذكر أحد الضدين عن الآخر، ونظيره قول الله تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}[النحل: ٨١] السرابيل تقي الحر والبرد، لكن ذكر الحر والبأس؛ لأن اللباسين متفقان، هذا يلبس عند حرارة الجو، والثاني يلبس عند حرارة القتال، فاستغنى بذكر الحر عن ذكر البرد.