لو قال قائل: ما الجمع بين هذه الآية وبين قول الله - تبارك وتعالى -: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ}[الحجر: ٢٦]، وقوله تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}[فاطر: ١١]؟
فالجمع بينهما أن أصل بني آدم تراب صُبَّ عليه الماء فصار طينًا، ثم بقي زمنًا، أي: مدة طويلة حتى صار صلصالًا؛ لأنه صار أسود، وإذا صنع منه الشيء صار صلصالًا له صوت، أي: إذا ضربته بإصبعك صار له صوت فلا خلاف، ولا تناقض.
واعلم أنه لا يمكن أن يقع التناقض بين دليلين قطعيين أبدًا؛ لأنه لو وجد التعارض بينهما لم يكونا قطعيين؛ لأن القطعي، يعني: أن غيره لا يمكن، فلا يمكن التعارض بين دليلين قطعيين أبدًا لا في القرآن، ولا في السُّنَّة، ولا فيما بين القرآن والسُّنَّة، ولا بين الأدلة العقلية وَالنقلية؛ لأنه لو تصورنا هذا فأحدهما قطعًا غير صحيح، إذ إن الدليلين القطعيين لا تكون النسبة بينهما التناقض، فالنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، لا بد من وجود أحدهما، ولا يمكن أن يجتمعا جميعًا ولا أن يرتفعا جميعًا، فإذا ترائي لك التعارض بين دليلين قطعيين فاعلم أن الخطأ من فهمك، وأنه يمكن الجمع بينهما، وإلا لا يكون أحدهما قطعيًا، فيكون الحكم للقطعي، أما إذا كانا ظنيين فيمكن التعارض، وحينئذ ينظر للترجيح، فإذا كان في القرآن ما ظاهره التعارض على وجه قطعي فاعلم أن هذا لا يمكن أبدًا، فإما أن تكون الدلالة غير قطعية، وإما أن يكون الحكم منسوخًا، أما أن يبقي الحكم والدلالة قطعية في الآيتين مثلًا فإن ذلك لا يمكن.