فدل ذلك على أن (خَلَق) و (جَعَلَ) معناهما واحد، وعلى هذا فيكون التفريق هنا لمجرد اختلاف اللفظ فقط.
وقيل: بينهما فرق، فالخلق إنشاء لذات المخلوق وأصله، والظلمات وصف للمخلوق، وكذلك النور، ولهذا لا تجد للنور جسمًا يشاهد أبدًا، انظر إلى النور لا يظهر إلا على سطح، أما في الفضاء فلا يظهر النور وما نشاهده أحيانًا من السهم الأبيض إذا ضربنا بشيء له قوة نفوذ في الضوء ليس هذا نورًا، لكنه انعكاس لذرات صغيرة في الفضاء. فلما كان النور والظلمة ليسا شيئًا محسوسًا وإنما يظهران في غيرهما، عبَّر عنها بكلمة (جعل)، وهذا لا شك أنه أبلغ من أن نقول: إنه ليس بينهما فرق، وإنما اختلف اللفظ فقط.
الفائدة التاسعة: ما يحصل من جمع الظلمات وإفراد النور، بعضهم قال: إن النور أفرد؛ لأنه شيء واحد، فالنور نور، والظلمات جمعت؛ لأنها تختلف باختلاف الجرم الذي حصلت به الظلمة، فمثلًا لو كان معك زجاجة مشمعة، وجعلتها بين اللمبة وبين الأرض صار هناك ظلمة لكنها خفيفة، وإذا جعلت شيئًا ثخينًا صار ظلمة سوداء بيِّنة، فلذلك جمعت الظلمات من أجل أن الظلمة تختلف بحسب الجسم الذي أوجدها، أو الذي وجدت به.
وبعضهم قال؛ لأن الظلمات هي الأصل والنور طارئ عليها، والظلمات معروف أنها تختلف، فمثلًا الظلمات في وقتٍ تكون السماء فيه ملبدة بالغيوم، ليس كما إذا كانت السماء صحوًا، والظلمات في قاع البحر ليست كالظلمات في سطح البحر، وهلم جرا هذا إذا قلنا أن المراد بالظلمات والنور ما كان