بالنسبة إلى قبول دعوة الرسل إلى قسمين: مؤمن يعمل عملاً صالحاً، ومكذب يرتكب المعاصي، هذا من الحكمة بل ومن الرحمة؛ لأنه لو لم يكن كفرٌ لم يُعرف قدر الإسلام، ولهذا قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فيما يروى عنه:"إنما تنقض عرى الإسلام عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"(١)، فمن عرف الكفر لا يمكن أن ينقض الإسلام، ومن رحمة الله وحكمة الله أنه قسم الناس إلى قسمين؛ لأنه لولا هذا الانقسام لما حصلت فروض من الشريعة: مثل الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والامتحان والاختبار؛ لأن الناس كلهم كانوا سيصيرون على وتيرة واحدة، والإنسان لا يمكن أن يخرج عن الناس، لكن إذا انقسموا إلى مؤمن وكافر حصل الامتحان والاختبار للمؤمن والكافر، فلا تظن أن الله - عزّ وجل - إذا أزاغ قلوب الكافرين أن في ذلك لغوا بل هو عين الحكمة.
الفائدة السادسة: أن من جمع بين هذين الوصفين الإيمان والإصلاح فليبشر أنه لا خَوفٌ عليه ولا حَزَن، لقوله:{فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
فإن قال قائل: أليس المؤمنون المصلحون ينالهم خوف من الأعداء؟
فالجواب: بلى، ينالهم خوف من الأعداء، لكن ليس هذا الخوف المنفي في الآية؛ لأن هذا الخوف بعده أمن، ومع قوة الإيمان لا يرى المؤمن أن في هذا خوفاً، ولهذا نجد الصحابة - رضي الله عنهم - في جهادهم وقتالهم مع النبي