وأمروا، بتبليغه وأما النبي فمأخوذ من النبأ، وهو الخبر، أُخبِر بالوحي ولكنه لم يكلف بتبليغه، وإنما يتعبد به هو نفسه، ومن اتبعه فعلى هدى، لكن الرسول مكلف أن يبلغ ما أرسل به، وهذا الذي عليه جمهور العلماء وهو ظاهر؛ لأن آدم نبي وليس مكملاً لشريعة من قبله، بل شريعته مستقلة، فدل هذا على أن القول بأن النبي هو من تعبد بشريعة من سبقه قول ضعيف، وأن قول الجمهور أصح.
قوله:{إِلَّا مُبَشِّرِينَ} لمن اتبعهم بالخير، أي: بالجنة {وَمُنْذِرِينَ} من خالفهم بالنار، هذه وظيفتهم، والبشارة هي الإخبار بما يسر، والإنذار هو التخويف بما يسوء.
لو قال قائل: كيف تقول إن البشارة هي الإخبار بما يسر مع أن الله تعالى جعلها إخباراً بما يسوء كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: ٣٤ - ٣٥]؟
فالجواب: أن الإنذار يؤثر في البشرة كما يؤثر التبشير وأصل تسميته تبشيراً؛ لأنه تتأثر به البشرة فتجد الرجل يستنير وجهه وينشرح صدره، أو يقال: إن قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤)} على سبيل التهكم حيث جعل الإنذار بلفظ البشارة، نظير هذا قول الله - عزّ وجل -: {ذُقْ} أمر إهانة {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان: ٤٩] قال بعض المفسرين: إن هذا من باب التهكم به حتى يزداد غماً إلى غمه، وقيل: المعنى أنت العزيز الكريم في الدنيا وليس لك في الآخرة إلا الإهانة.