للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولأنتَ تَفْري ما خلقتَ وَبَعْـ ... ـعْضُ الناسِ يخلقُ ثم لا يَفْري (١)

(يفري)، يعني: يفعل، (تفري ما خلقت): يعني: ما قدرته ولا يمنعك أحد، فالخلق هو الإيجاد على وجه التقدير المحكم.

وقوله: {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (السماوات) مفعول (خَلَق)، ولا مانع من أن نقول: إنها مفعول، خلافًا لمن قال: إنها لا تصح أن تكون مفعولًا؛ لأن المفعول لا بد أن يرد الفعل عليه وهو موجود، وخَلْقُ السماوات والأرض ورد عليها قبل أن تخلق، ولكن نقول هذا تكلف، والصواب الذي عليه أكثر المعربين أن (السماوات): مفعول به.

وهي من سما يسمو إذا علا، وقد بَيَّن الله تعالى: أنها سبع، وأنها طباق، وأنها شداد، وأنها مبنية بأَيْدٍ، أي: بقوة

وقوله: {وَالْأَرْضَ} معطوفة على السماوات، وهي لفظ مفرد لكنه لا يمنع التعدد إذا ثبت أنها متعددة، ولينتبه لهذا القيد فلو لم يثبت أنها متعددة لقلنا إنها واحدة، هذا مقتضى اللفظ، لكن نقول: إن المراد بها الجنس، وحينئذ لا ينافي التعدد، وهي متعددة بدلالة ظاهر القرآن وصريح السُّنَّة.

أما ظاهر القرآن فقد قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢]، أي: في العدد، ولا يمكن أن يقول قائل: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} في الكيفية والصفة؛ لأن الفرق بين السماء والأرض واضح، فيتعين أن يكون المراد العدد، وهو كذلك.

أما السُّنَّة فصريحة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من اقتطع شبرًا من


(١) البيت لزهير بن أبي سلمي في ديوانه (ص ٨٢).

<<  <   >  >>