للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن هؤلاء أناس ذوو عقول، أعني: عقول إدراك لا عقول رشد يقولون: الأسباب لا تؤثر بل حصل الشيء عند السبب لا بالسبب.

القسم الثالث: أثبتوا الأسباب لكن جعلوا تأثيرها في مسبباتها بما أودع الله فيها من القوى المؤثرة، وجعلوا الخالق أولاً وآخراً هو الله - عزّ وجل -، وقالوا: لو شاء الله لم تؤثر هذه الأسباب، فمثلاً النار محرقة لا إشكال، ولما ألقي فيها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - قال الله لها: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩] فكانت برداً وسلاماً، وهنا لم يؤثر أثر هذا السبب في مسببه؛ لأن الله قال: كوني برداً وسلاماً، وهذا القول هو المتعين، ولا أقول الراجح، وما سواه فهو ضلال باطل.

الفائدة الثالثة عشرة: أن الفسق يطلق على الكفر لقوله: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}؛ لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، والتكذيب بالآيات كفر، ثم قال: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، واقرأ قول الله تعالى في تنزيل السجدة: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠)} [السجدة: ١٩ - ٢٠] الفسق هنا الكفر، وقد يطلق الفسق على ما دون الكفر وهذا هو المراد من كلام الفقهاء - رحمهم الله -، ومنه قول الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: ٧]، فهنا الفسوق ما دون الكفر وهو المتعين، وجه التعيين العطف على الكفر، والعطف يقتضي المغايرة.

<<  <   >  >>