الفائدة الحادية عشرة: أن المجادل بالباطل يلجأ إلى المكابرة، أو إلى التهديد إذا كان له سلطة، المكابرة كما في هذه الآية {يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} هذه مكابرة؛ لأن دعواهم {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} مكابرة بلا شك، وكل أحد يعرف أن القرآن الكريم ليس قول البشر، فضلًا أن يكون أساطير الأولين، ولكن هذه نهاية المجادلة والمكابرة؛ مثل ما يوجد الآن بين أهل البدع وأهل السُّنَّة تجد الواحد منهم يقول: نحن ما ثبت عندنا هذا الحديث حتى لو كان في البخاري ومسلم، أو يقول فيما يحتج به لبدعته: هذا عندنا ثابت بنقل الرواة العدول، وهذا أكثر ما يكون في الرافضة، ولهذا يقال: إن بعضهم زاد في القرآن نحو الثلث وحذف من القرآن الكريم، وهذه مكابرة، الإشكال أن المكابر لا تستطيع أن تقنعه أبدًا، لكن قد يهديه الله - عزّ وجل -، إذًا هؤلاء المجادلون المكابرون يقولون: إن هذا إلا أساطير الأولين وليس وحيًا.
أما اللجوء إلى القوة فانظر إلى مجادلة فرعون وموسى حيث قال له فرعون:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء: ٢٩] فلجأ إلى القوة والإرهاب، وتأمل قوله:{لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء: ٢٩]، ولم يقل: لأسجننك، إشارة إلى أنه يريد أن يظهر بمظهر القوي الذي يسجن الناس وعنده مساجين، فيهدد موسى بأنه سيكون منهم.
الفائدة الثانية عشرة: أن من جادل بالباطل لإدحاض الحق فهو كافر؛ لقوله:{يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، فأظهر في موضع الإضمار، وكان مقتضى السياق أن يقول:(حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقولون إن هذا إلا أساطير الأولين).