أوحي إليَّ لأكون منذرًا لكم، وهذه هي الحكمة من الوحي، أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يوحي للرسول - صلى الله عليه وسلم - لينذر به، وإذا أورث الله - تبارك وتعالى - رجلًا هذا الوحي فإنما أورثه الله لينذر به، ويقول الحق، كما سيأتي إن شاء الله في الفوائد.
قوله:{وَمَنْ بَلَغَ}(مَنْ) اسم موصول معطوف على الكاف في قوله: {لِأُنْذِرَكُمْ}، يعني: وأُنْذِر من بلغ، والفاعل يعود على القرآن، والمعنى فمن بلغه القرآن فكأنما خاطبه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى يوم القيامة؛ لأنه قال:(لأنذركم أيها المخاطبون ومن بلغ) فمن بلغه القرآن بأي واسطة فقد أنذر، ولكن من بلغه القرآن بغير اللغة العربية، ولم يفهم منه شيئًا فلا تقوم عليه الحجة، ومن بلغه باللغة العربية وهو لا يفهمها فإنها لا تقوم عليه الحجة، لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤]، وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣)} [الزخرف: ٣]، جعلناه يعني: صيرناه باللغة العربية.
قوله:{أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} هذا الاستفهام للإنكار، وهو استفهام داخل على جملة مؤكدة بـ (إنَّ) و (اللام)، فهي كقوله تعالى:{قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ}[يوسف: ٩٠]، فالهمزة داخلة على جملة مؤكدة ب (إنَّ) و (اللام).
وقوله:{أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} يؤكد أنهم شهدوا أن مع الله آلهة أخرى، وينكر عليهم هذه الشهادة؛ لأن هذه أكذب شهادة، ولقد قال هؤلاء: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ} [ص: ٥، ٦]، أي: الأشراف