فإن قيل: هذا كلام الله - عزّ وجل - فهل له من دليل؟
قلنا: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله أن يُطلب الدليل على صدق خبر الله، خبر الله - تبارك وتعالى - هو الدليل، ومدلوله هو المدلول، ولا حاجة أن نقول: هل هناك شاهد يدل على أن الذين أوتوا الكتاب يعرفون محمدًا كما يعرفون أبناءهم؟ لأن كلام الله أقوى شاهد.
ولكن مع ذلك لا مانع أن نقيم الحجة عليهم من كتبهم فقد قال الله تعالى في سورة الأعراف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنهم:{يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ}[الأعراف: ١٥٧]، ومكتوبًا وصفه عليه الصلاة والسلام:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف: ١٥٧] يعرفون هذا تمامًا، وقد نقل الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله - في تفسيره النصوص من الإنجيل على هذا القول، بل على إقامة الحجة عليهم وأن هذا مكتوب عندهم في كتبهم.
الفائدة الثانية: أنه ينبغي أن يضرب المثل بأقرب مطابق للممثَّل لقوله: {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ}؛ لأن هذا أقرب إلى التصور وإلى الصدق.
الفائدة الثالثة: المِنَّةُ والتوبيخ على اليهود والنصارى، أما المنة فهي أن الله آتاهم الكتاب، وبيَّن لهم وصف النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الذي سيرسل للناس كافة، وهذه نعمة، أن يبيِّن الله للعبد طريق الهدى، والتوبيخ أنهم كانوا كافرين به مع وضوح الدليل، فتكون الآية جامعة بين بيان المنة عليهم من الله، وتوبيخهم على الكفر بمحمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.