المخلوقات لا تتنافي مع العلو ففي اللغة العربية يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو ما زلنا نسير والقطب معنا، وهو كلام سائغ رائج، فيكون معنى كون الله معنا: أنه مطلع علينا وإن كان بعيدًا، فإن كان يمكن اجتماع العلو والمعية في حق المخلوق، فاجتماعها في حق الخالق من باب أولى.
ولو قال قائل: ما حكم عبارة المبتدعة التي تقول: الله موجود في كل الوجود؟
الجواب: حرام؛ أولًا لأن قولهم:(الله موجود في كل الوجود) لا يستقيم إلا إذا أرادوا بالوجود أصل المعنى، أي: أرادوا اسم المفعول فيكون الله موجودًا في كل مكان، وهذا مذهب الحلولية تمامًا.
ولو قال قائل: الصوفية يقولون: إن قلتم إن الله مستوٍ على العرش، فأين الله قبل ذلك؟
الجواب: الصحابة سألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال:"كان في عماء"(١)، أي: في عمي، والعمي الغيم الخفيف، أو السحاب الخفيف في السماء.
وهؤلاء كلهم الذي يحملهم على هذا هو أنهم ظنوا أن الرب - عزّ وجل - تحيط به المخلوقات، وأنه مثل الإنسان، لكن لو قدروا الله حق قدره، وعلموا أن الرب - عزّ وجل - أكبر من كل شيء، ولا يمكن لأحد أن يتصوره، وهنا قال ابن عباس
(١) رواه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة هود (٣١٠٩)، وقال "حسن صحيح"؛ وابن ماجه في: المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية (١٨٢)، والإمام أحمد في مسنده (١٥٧٥٥).