للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: {وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} (إن) هنا بمعنى (ما)، أي: ما يهلكون إلا أنفسهم وكما في آية أخرى {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} [النساء: ١١٣] فمجادلتهم ونهيهم الناس لا يضر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - شيئًا، وإنما هو هلاك أنفسهم.

فإن قيل: هل المراد هنا الهلاك الحسي أو المعنوي؟

فالجواب: المراد الهلاك المعنوي؛ لأن هذا الكافر المجادل لا يموت بجداله، بل يبقى، لكنه حقيقة من الناحية المعنوية قد هلك.

قوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ}، أي: ما يشعر هؤلاء أنهم بهذا النهي عما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والبعد عنه لا يشعرون أنهم بذلك أهلكوا أنفسهم، ولذلك تجدهم يفتخرون بما هم عليه من الكفر، حتى إن أبا سفيان قال في يوم أحد: (اعل هبل، اعل هبل)، يفتخر بالصنم الذي يعبده، ويقول: إنه علا على محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أجيبوه"، قالوا بماذا نجيبه؟ قال: "قولوا الله أعلى وأجل" (١)، فالشاهد أن هؤلاء الكفار المجادلين لا يشعرون أنهم على ضلال - نسأل الله العافية - وهذا غاية ما يكون من الابتلاء، أن يرى الإنسان أنه على حق مع أنه على باطل، وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل" (٢).


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، رقم (٣٠٣٩).
(٢) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب: غزوة أُحد (٤٠٤٣).

<<  <   >  >>