للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك إذا تأملت الحكمة في الزكاة أيضاً، وجدت أن المال القليل لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه لا يحتمل المواساة، بخلافِ الكثير، ووجدت ما يشق إخراج الزكاة عنه لا تجب فيه الزكاة؛ كالثياب والمراكب والبيوت وما أشبهها، الآن عرفنا أن الزكاة على الصورة المعينة حكمة.

فإن قيل: ما الحكمة من الزكاة؟

قلنا: اقرأ قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَةِرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] هذا أفضل شيء، تطهرهم من الذنوب؛ لأن الصدقة تطفئ الخطيئة، {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، أي: تزكي أخلاقهم ودينهم؛ لأنه يبذل ما يحب فيما يحبه الله - عزّ وجل -، ولا يمكن أن يبذل الإنسانُ محبوباً له إلا لما هو أحب، كذلك تزكي أخلاقهم بالكرم والسخاء والرخاء.

وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - أن من أسباب انشراح الصدر الصدقةَ والبذلَ، وهذا معنى خفي كلما كان الإنسان أشد بذلاً للمال كان أوسع صدراً، لا سيما إذا كان يؤمن بأنه يقربه إلى الله - عزّ وجل -، وأنه يكفر سيئاته، وما أشبه ذلك.

فالخلاصة أن الحكم كوني وشرعي، والإحكام صوري وغائي، وأيضاً الحكمة تكون في المشروعات وفي المخلوقات.

وقوله: {الْخَبِيرُ}، يعني: ذا الخبرة، قال أهل العلم: الخبرة هي العلم ببواطن الأمور، مشتقة من خبير الزرع الذي يدفن في الأرض ويكون خفياً، ولهذا جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نهى عن المخابرة (١)، يعني:


(١) رواه البخاري، كتاب المساقاة، باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في=

<<  <   >  >>