للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفائدة الثانية: أن الإنسان ينبغي له ألا يهون عليه إعراض الناس، بل يكون كبيرًا في نفسه، لكن لا تعصبًا لما هو عليه، ولكن من أجل مصلحة الآخرين، فإذا رأينا مثلًا رجلًا عالمًا عابدًا كريمًا، لكنه في الأسماء والصفات على غير ما يرام، فهل يشق علينا هذا أو لا؟ لا شكَّ أنَّه يشق علينا هذا، وإذا نظرنا إليه بعين القدر رحمناه، وقلنا: سبحان الله! كيف يكون هذا الرجل الففيضل على عقيدة غير سليمة؛ نرحمه حقيقة؛ لأنه محروم، لكن إذا نظرنا إليه بعين الشرع فإننا نجادله، فإن رجع إلى الحق فهذا المطلوب، وإن لم يرجع فإننا نفعل به كما قال الشافعي - رحمه الله -: "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسُّنَّة، وأقبل على علم الكلام" (١)، وكذلك لو زنا رجل وهو من علية القوم ومن أهل الخير، إذا نظرنا إليه بعين القدر رحمناه ورققنا له، كيف يصدر الزنا من هذا؟ لكن إذا نظرنا إليه بعين الشرع أقمنا عليه الحد ولا نرأف به، كما قال - عزّ وجل -: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}، لم يقل في قدر الله بل قال: {فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النور: ٢]، ولهذا جاء في الحديث - وإن كان فيه نظر -: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" (٢).

الفائدة الثالثة: أن الله - سبحانه وتعالى - قد يبين الشيء


(١) ذكره ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص ٢٠٩).
(٢) رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب: في الحد يشفع فيه (٤٣٧٥)، والإمام أحمد في مسنده (٢٤٩٤٦).

<<  <   >  >>