للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {مِّن قَرْنٍ} (القرن) بعضهم حدده بمائة سنة، أو أربعين سنة، وبعضهم حدده فقال: المراد بالقرن القوم الذين يهلكون، مثلًا. في خلال سبعين سنة ربما يهلك هؤلاء الموجودون ويخلفهم غيرهم، وعللوا ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم" (١) قرنه: هم الصحابة هلكوا في حدود المائة.

قوله: {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} الضمير يعود على القرن باعتباره جنسًا، أي: مكنَّا هؤلاء القرون في الأرض.

قوله: {مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}، يعني: جعلنا لهم ما يتمكنون به ويثبتون به ما لم نمكن لكم، والسابقون أشد قوة من اللاحقين وأكثر أموالًا وأولادًا، وعمروا الأرض أكثر مما عمروها.

وقوله: {مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} فيه التفات من الغَيبة إلى الخطاب وهو الحضور، والالتفات يكون من الغيبة إلى الحضور، ومن الحضور إلى الغيبة، ومن الإظهار إلى الإضمار، المهم أَنَّ له أنواعًا، وفائدته تنبيه السامع أو القارئ على ما سيأتي من بعد، وجه ذلك أن الكلام إذا كان على وتيرة واحدة انساب الإنسان معه، لكن إذا اختلف توقف ونظر ما الذي طرأ؟ فيكون هذا الالتفات منبهًا للقارئ والسامع، وهو من أساليب اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية.

قوله: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا}. المراد بالسماء هنا


(١) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب: لا يشهد على جور إذا أُشهد (٢٦٥٢)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ثم الذين يلونهم. (٢٥٣٣).

<<  <   >  >>