للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٨٧)} [الواقعة: ٨٦، ٨٧]، فهذا شرط داخل شرط، ومنه في قول شاعر العرب (١):

إِنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إِنْ تُذْعَرُوا تَجِدُوا ... مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَها كَرَمُ

فِعْلُ الشرط الأول، ثم الثاني قَيْدٌ فيه، و (تجدوا) جواب الشرط.

المهم أن قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} جملة شرطية في ضمن جملة شرطية، الجملة الأولى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ}، والثانية: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ}، وجواب الجملة الثانية محذوف تقديره: (فافعل) ولن يمكنك ذلك، فإذا كان لا يمكنك فإنه لا يمكنك أن تأتي بالآيات التي اقترحوها، وإذا كان لا يمكنك فلا تحزن عليهم؛ لأن الإنسان لا يحزن إلَّا على شيء يمكنه أن يفعله ولم يفعله.

وقوله: {كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ}، أي: عظم عليك وشق عليك.

وقوله: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ}، أي: قدرت على أن تبتغي نفقًا في الأرض، أي: تطلب نفقًا في الأرض، والنفق هو السرداب يحفر في الأرض ويدخل الإنسان فيه ليصل إلى أعماق الأرض، {أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ} تبتغي سلمًا، أي: مصعدًا تصعد به إلى الجو {فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ}، فبيَّن الله - عزّ وجل - لهم النزول والارتفاع، فلا يستطيع أن ينزل إلى نفق في الأرض فيستخرج الآيات، ولا أن يصعد إلى السماء فيأتي بالآيات، والمعنى واضح.


(١) البيت في "الخزانة" (١١/ ٣٥٨) ولا يعرف قائله، وكذلك ذكره الأشموني في شرحه الألفية (٣/ ٥٩٦)، والسيوطي في الهمع (٢/ ٦٣).

<<  <   >  >>