للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكتب، فكنت أكتب كتابا إِلي بخارى، وأردت أن أقرئهن سلامى، فذ هب على إِساميهن كتبت كتابى ولم أقرئهن سلامى، وما أقل ما يذهب عنى من العلم!! هـ (١).

فأنت تري هنا أنه ينسى أسماء قريباته، ولا ينسي أسماء آلاف الرواة ومساكنهم ووفايتهم، كانه لا قريب له إِلا العلم.

ولقد وهب البخارى وقته كله للعلم، وتفرغ تفرغا تاما لهذا الأمر، وأخلص نيته في ذلك، فبورك له فى علمه، وانتفعت به أجيال المسلمين.

قال هانئ بن النضر: كنا عند محمد بن يوسف -يعنى: الفريابي- بالشام، وكنا نتنزه -فعل الشباب فى أكل الفرصاد ونحوه- وكان محمد بن اسماعيل معنا، وكان لا يزاحمنا في شئ مما نحن فيه، ويكب علي العلم (٢).

والأخبار تشير إِلي أن البخاري كان يتعبد بطلب العلم، فلا يقل سهره عي العلم عن سهره علي العبادة، بل تراه يتلذذ بالسهر علي العلم، ويستطيب السفر الطويل، والإِغتراب المتواصل في سبيل العلم.

قال وراقه: كان أبو عبد الله إِذا كنت معه فى سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إِلي عشرين مرة، فى كل ذلك يأخذ القداحة، فيوري نارا بيده ويسرج، ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها، ثم يضع رأسه. (٣)

وقال الفربرى: كنت عند محمد بن إسماعيل البخاري بمنزله ذات ليلة،


(١) سير النبلاء (١٢/ ٤٠٦).
(٢) سير النبلاء (١٢/ ٤٠٥). والفرصاد: التوت الشامى، ويكثر فى تلك البلاد، وينبت علي حواف الشوارع والأنهار، وهو إِلي وقت قريب -كما حدثونا- لا يباع لكثرته، فيباح بدون ثمن.
(٣) تاريخ بغداد (٢/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>