للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وأغلب هذه القضايا هي التي ادعى فيها الخطيب البغدادي توهيم الإِمام البخاري، والحقيقة أنه لا يلزم البخاري -رحمه الله- من ذلك إلا القدر اليسير.

ثانيًا: ملحظ الاختصار:

قال البخاري: (وَقَلَّ إِسمٌ في التاريخ " إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب) (١). وهذا لا يقوله البخاري بغير حساب، وأنّى لمثله أن يقول مِثْله؟ وكدت أجزم بهذا في جميع رواة الحديث في هذا الكتاب، وذلك لأنه ثَبَت عندي وجود قصة لكل راوٍ في القدر الذي عاينت تراجمهم من الأسانيد المرفوعة. لو افترضنا أنه ليس لبعض الرواة قصص، فالمؤكد أن لهم رواية، أو حكاية انفردوا بها، أو ما إلى ذلك، ولو أثبت البخاري لكل واحد من هؤلاء قصة أو رواية، ترى كم يبلغ حجم هذا "التاريخ"؟ فأول مظاهر الاختصار هو الإِعراض عن الأخبار التى لا تمت الى موضوع المتن أو الإِسناد بصلة، إِذ ليس الكتاب كتاب أخبار بقدر ما هو كتاب "تأريخ" مخصص لرواة الحديث فقط. أما المظهر الثاني من مظاهر الأختصار فهو"التعليق "، وسوف أُفصل فيه القول فيما يأتي، والذي دعاه إلى ذلك هو تخفيف الحمل عن هذا الكتاب، وعدم ذكر ما لا فائدة من ورائه. والمظهر الآخر هو "إِختصار المتون" أو الاكتفاء بـ " أطرافها" أحيانا، وأحيانا أخرى بـ "الإِشارة" إِليها، أو الاكتفاء بأسانيدها فحسب. وهذا شئ كثير جدًا في هذا الكتاب حتى شبهه البعض بإِشارات " شفرات البرق" في الإِختصار، والتلميح. وكذلك اختصر ذكر المصادر، واكتفى بالإشارة إليها أحيانا دو سرد أسانيده إليها. وقد تفنن الإِمام البخاري أيما تفنن في اختصاره للتأريخ، فمرة يقدم الإِسناد ويؤخر المتن، وأخرى يعكس الأمر، وربما ذكر الإِسناد من وسطه، ثم ذكر المتن كاملا أو مختصرا،


(١) تاريخ بغداد (٢/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>