للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المبحث الثاني ثناء شيوخه عليه]

من المعلوم أن الثناء إِنما يكون على العالم من تلاميذه الذين يتأثرون به. أو من الأقران الذين صحبوه وعرفوا فضله لأن الغالب ألا يظهر نبوغ التلميذ وسَرَيان ذكره وأثره في غيره إِلا بعد وفاة شيوخه. أمّا أن الشيخ يثني على تلميذه ويفتخر به، فهذا أمر له دلائل كثيرة. منها: أن النبوغ ظهر على ذلك التلميذ في وقت مبكر، وأن فضلة وذكاءه بان عليه بشكل ملفت للنظر، وربما دلّ على أن الشيخ نفسه استفاد من هذا التلميذ.

وهذا ماكان من شأن البخاري. فقلما لقي شيخًا من الشيوخ منذ أن كان في الكتّاب إِلا ظهر لذلك الشيخ من دواعي الاعجاب بالبخاري ما يجعله يثني عليه ويرفع من شأنه.

و"ثناء الشيخ على التلميذ" يمثّل تقويما دقيقا وسديدا لذلك التلميذ، لأن الشيوخ في العادة قلما ينوّهون بفضل طلابهم، والعكس هو الحاصل. فإذا ما انقلب الأمر، وصار ثناء الضيوخ "إِجماعا" متفق عليه، وكلٌ أثنى بما رأى، ومدح بما لاحظ ببصره أو بصيرته، فعند ذلك ترتفع القيمة العلمية لهذا الثناء والتعظيم، فيغني عن الكلام الكثير من المتأخرين.

وقد تنبه لذلك أحد الدارسين المتعمّقين في سيرة الإِمام البخاري، وهو ابن حجر العسقلاني، فعقد فصلا خاصا في مقدمة شرحه للجامع الصحيح، جمع فيه طائفة جيدة من ثناء شيوخ البخاري عليه، وأنا أنقل هنا غالب ذلك الفصل في هذا المبحث، وأشير في الهامش إِلى مصادر أخرى لهذه النقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>