للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما انضاف اليها من الالهام والذكاء والنهم، أهّلت البخاري أن يدرك في صباه ما لم يدركه الكبار إِلا قُرب انتهاء الأعمار.

هذا ما كان البخاري يعانيه في الصبا. ثم قال هو عن نفسه: "فلما طعنت في ست عشرة سنة، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك، ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء" (١). ويريد بقوله (هؤلاء): أهل الرأي، كما أفاد ابن حجر.

وهنا نجد البخاري خطا خطوة أخرى بل أتمها ولم يتم السادسة عشرة من عمره، وهو حفظه كتب الفقه المصّنفة في زمانه، وكذلك معرفة كتب أهل الرأي الشائعة في ذلك العهد. وهكذا جمع بين علم الرواية جرحا وتعديلا، واسنادا وتعليلا، وبين علم الدراية فقها واستنباطا. وهذا ما أهّله لـ "مناطحة الكباش"- كما عبّر بذلك أحد من كان يحضر مجلس شيخه أبي عاصم النبيل.

قال محمد بن قتيبة البخاري: كنت عند أبي عاصم النبيل، فرأيت عنده غلاما، فقلت له: من أين أنت؟ قال: من بخارى. قلت: ابن من؟ قال: ابن إِسماعيل، فقلت: أنت من قرابتي. فقال لي رجل بحضرة أبي عاصم: هذا الغلام يناطح الكباش. (٢)

قال ابن حجر: يعني: يقاوم الشيوخ.

قلت: وليس هذا فحسب بل أهّله لمرتبة أخرى وهي "التصنيف".

قال البخاري: "فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنّف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنّفت كتاب التأريخ اذ ذلك عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الليالي المقمرة". (٣)

قلت: التأريخ الكبير سنتحدث عنه في غير هذا الموضع، ويكفي أن


(١) طبقات الشافعية للسبكي: ٢/ ٢١٦. وهدى الساري: ص (٤٧٨).
(٢) هدي الساري: ص (٤٨٢).
(٣) تأريخ بغداد: ٢/ ٦ - ٧. وتذكرة الحفاظ: ٢/ ٥٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>