للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: أن الذين يمسكون الزعامة الدينية في بخارى كانوا ممن يخالفون البخاري في بعض آراءه الفقهية، وهم ممن ينتسبون إِلي "أهل الرأي" وعلى رأس هؤلاء: حريث بن أبي الورقاء، وهؤلاء كانت لهم علاقة وطيدة بأمير بخارى، بخلاف البخاري. وقد مر معنا ما يشير إِلى أن هؤلاء كانوا وراء هجرة البخاري من بلده بخارى، وبحثه عن دار له يقيم فيها، يتنفس فيها الحرية وينشر علمه وآراءه فيها. قال الحاكم: حدثنا خلف بن محمد، حدثنا سهل بن شاذويه قال: كان محمد بن إِسماعيل يسكن سكة الدهقان، وكان جماعة يختلفون إِليه، يظهرون شعار أهل الحديث من افراد الإِقامة، ورفع الأيدي في الصلاة وغير ذلك. فقال حريث بن أبي الورقاء وغيره: هذا رجل مشغب، وهو يفسد علينا هذه المدينة، وقد أخرجه محمد بن يحيي من نيسابور، وهو إِمام أهل الحديث، فاحتجوا عليه بابن يحيي، وإِستعانوا عليه بالسلطان في نفيه من البلد، فأخرج. وكان محمد بن إِسماعيل ورعا، يتجنب السلطان ولا يدخل عليهم (١).

وهكذا إِضطر الإِمام البخاري إِلى مفارقة بخارى بسبب هذه الأحداث المؤلمة، وآلمها هو أن يكون سببها المباشر هو إِخوانه في العلم الذين مالؤا السلطان عليه، ومع هذا فلم يفكر يوم خروجه من بخارى إلا بسلامة دينه خشية أن يتعرض لفتنة أكبر قد لا يستطيع الصبر عليها.

قال إِبراهيم بن معقل النسفي: رأيت محمد بن إِسماعيل البخاري في اليوم الذي أخرج فيه من بخارى، فتقدمت إِليه، فقلت: يا أبا عبد الله، كيف ترى هذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثر؟ فقال: لا أبالي إِذا سلم ديني (٢).!!


(١) السير (١٢/ ٤٦٥).
(٢) السير (١٢/ ٤٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>