فالجواب: لأن الأفعال تنسد إلى الأيدي قال تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ}[يس: ٣٥] أيما عملوه وقال {وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة}[البقرة: ١٩٥] أي لا تلقوا بأنفسكم، فإذن الأيدي كالعاملة والشاهد على العامل نبيغي أن يكون غيره فجعل الأرجل والجلود من الشهود لبعد إضافة الأفعال إليهم.
فإن قيل: إن يوم القيامة من تقبل شهادته من المقربين والصديقين كلهم أعداء للمجرمين وشهادة العدو غير مقبولة وإن كان عدلاً وغير الصدِّيقين من لكفار والفساق لا تقبل شهادتهم والأيدي والأرجل صدرت الذنوب (منها) فهي فاسقة فينبغي أن لا تقبل شهادتها.
فالجواب: أن الأيْدي والأرجلَ ليسوا من أهل التكليف ولا ينسب إلهيا عدالة ولا فسقٌ، إنما المنسوب من ذلك إلى العبد المكلف لا إلى أعضائه، ولا يقالك إن العين تزني إن الفَرْج يزني وأيضاً فإنا نقلو: في در شهادتها (قبول شهادتها) لأنها إن كَذَبَتْ في مثل ذلك اليوم مع ظهور الأمور لا بدّ أن يكون مذنباً في الدينا وإن صَدَقَتْ في مثل ذلك اليوم فقد صدر منها الذنب في الدنيا وهذا كن قال لِفَاسِق: «إن كذبت في نهار هذا اليوم فعَبْدي حُرٌّ» فقال الفاسق: كَذَبْتُ في نهار هذا اليوم عُتِقَ العَبْدُ؛ لأنه إن صدق في قوله كذبت في نهار ذلك اليوم فوجد االشرط أيضاً بخلاف ما لو قال في لايوم الثاني كذبت في نهار اليوم الذي علقت عتْق عبدك على كذا فيه.
قوله:{وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} أي أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شِقٌّ وهو معنى الطَّمْس، كقوله تعالى:{وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}[البقرة: ٢٠] يقول: إذا أعمينا قلوبهم لو شئنا أغمينا أبصارهم الظاهرة.
قوله:{فاستبقوا} عطف على «لَطَمَسْنَا» وهذا على سبيل الفَرْض والتقدير وقرأ عيسى فَاسْتَبِقُوا أمراً وهو على إضمار القول أي فيُقَالُ لَهُمْ اسْتَبقُوا والصِّراط ظرف مكان مختص عند الجمهور فلذلك تأولوا وصول الفعل إليه إما بأنه مفعول (به)