{فَإنْ حَآجُّوكَ} أي: خاصموك يا محمد في الدين بالأقاويل المزوَّرة، المغالطات، فأسْند أمرك إلى ما كُلِّفْتَ به من الإيمان والتبليغ، وعلى الله نصرك وذلك أن اليهود والنصارى قالوا: لسنا على ما سميتنا به يا محمد، إنما اليهودية والنصرانية نسب، والدين هو الإسلام، ونحن عليه، فقال الله تعالى - {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ} أي: انقدت لله وحده، وإنما خص الوجه؛ لأنه أكرم جوارح الإنسان.
وقال الفرّاءُ: معناه: أخلصت عملي لله.
وفي كيفية إيراد هذا الكلام وجوه:
أحدها: أنه - عليه السلام - كان قد أظهر لهم الحجةَ - على صدقه - قبل نزول هذه الآية - مراراً، فإن هذه السورة مدنية، وكان قد أظهر لهم المعجزاتِ بالقرآن، ودعاء الشجرة، وكلام الذئب، وغيرها مما يدل على صحة دينه، وذكر الحجة على فساد قول النصارى بقوله {الحي القيوم} ، وأجاب عن شبه القوم بأسرها، ومشاهدة يوم بدر وأثبت التوحيد، ونفى الضدَّ والندَّ والصاحبة والولد بقوله:{شَهِدَ الله لاا إله إِلَاّ هُوَ}[آل عمران: ١٨] ، وبين - تعالى - أن إعراضهم عن الحق إنما كان بَغْياً وحَسَداً، فلما لِمْ يَبْقَ حجة على فِرَق الكفار إلا أقامها، قال بعده:{فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ} وهذه عادة المُحِقِّ مع المُبْطِلِ، إذا أورد عليه حُجَّة بَعْدَ حُجَّة، ولم يرجع إليه، فقد يقول - في آخر الأمر -: أما أنا فمنقادٌ للحق، فإن وافقتم، واتبعتم الحق الذي أنا عليه، فقد اهتديتم، وإن اعترضتم، فالله بالمرصاد.
ثانيها: أن القوم كانوا مُقِرِّينَ بوجود الصانع، وكونه مستحقاً للعبادة، فكأنه - عليه السلام - قال لهم: هذا القدر متفق عليه بين الكُلِّ، فأنا مستمسك بهذا القدر المتفق عليه، وداعي الخلق إليه، وإنما الخلاف في أمور وراء ذلك، وأنتم المدعون فعليكم الإثبات،