قوله تعالى:{ياأيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا} الآية.
لمَّا ذكر نعمه على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلى المؤمنين يوم بدر، علَّمهم - إذا التقوا - نوعين من الأدبِ، الأوَّل: الثَّبات وهو أن يُوَطِّنُوا أنفسهم على اللَّقاء، ولا يحدثوها بالتولِّي.
والثاني: أن يذكروا اللَّه كثيراً، فقال:{ياأيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا} فيه، أي: جماعة كافرة «فاثبتُوا» لقتالهم.
{واذكروا الله كَثِيراً} ادعوا الله بالنصر والظفر بهم.
وقيل: المرادُ أن يذكروا الله كثيراً بقلوبهم، وبألسنتهم.
ثم قال تعالى:{لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} أي: كونوا على رجال الفلاح.
فإن قيل: هذه الآية تُوجب الثَّبات على كلِّ حال، وهذا يُوهمُ أنَّها ناسخةٌ لآية التَّحرف والتحيُّز.
فالجوابُ: أنَّ هذه الآية توجب الثَّبات في الجملة، وهو الجدّ في المحاربة، وآيةُ التحرّف والتحيّز لا تقدحُ في حصول الثبات في المحاربة، بل الثبات في هذا المقصود، لا يحصل إلَاّ بذلك التحرف والتحيز، ثمَّ أكد ذلك بقوله:{وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فيما يأمر به؛ لأن الجهاد لا ينفع إلَاّ مع التَّمسُّك بسائر الطاعات، «ولَا تَنَازعُوا» لا تختلفوا، فإنَّ النزاعَ يوجب أمرين.
أحدهما: الفشل، وهو الجُبن والضَّعف.
والثاني:«تَذْهبَ ريحُكُمْ» .
قال مجاهدٌ: نصرتكم.
وقال السُّديُّ: جراءتكم وجدكم.
وقال مقاتل: حدَّتكم.
وقال النضرُ بنُ شُميلٍ: قُوَّتكم. وقال الأخفشُ: دولتكم. و «الرِّيح» هاهنا - كنايةٌ عن بقاء الأمر وجريانه على المرادِ؛ تقول العربُ:«هَبَّت ريحُ فلان» إذا أقبل أمره على ما يريدُ، وهو كنايةُ عن الدَّوْلة والغلبة؛ قال:[الوافر]