للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لمَّا أمر الخَلْقَ بمتابَعَةِ الأنْبِيَاءِ، ثمَّ خوَّفَهُم بعذاب الدُّنْيَا وهو قوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} ، وبعذاب الآخِرَةِ وهو السُّؤالُ ووزن الأعمال رغبهم في دعوة الأنْبِيَاء في هذه الآية بطريق آخر، وهو أنَّ ذكر كثرة نعم اللَّه عليهم، وكثرة النِّعيم توجبُ الطَّاعة فقال: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرض} أي: جعلنا لكم فيها مكاناً وقراراً ومكَّنَّاكم، والمُرَادُ بالتَّمكين التمليك والقوة والقدرة.

قوله «وجَعَلْنَا لكم» يجوز أن يكون «جَعَلَ» بمعنى «خَلَقَ» فيتعدَّى لواحد فيتعلَّقُ الجاران ب «مَعَايِشَ» ، والثَّأني أحد الجارين، والآخر: إمَّا حال متعلِّقَةٌ بمحذوف، وإمَّا متعلِّقةٌ بنفس الجعل وهو الظَّاهِرُ.

و «مَعَايِش» جمع مَعيشَةٍ، وفيها ثلاثةُ مذاهبٍ:

مذهبُ سيبويه والخَلِيل: أنَّ وزنها مَفْعُلَةٍ بِضَمِّ العين، أو مَفْعِلة بكسرها، فعلى الأوَّلِ جُعلتِ الضَّمَّةُ كَسْرَةً، ونُقِلَتْ إلى فَاءِ الكَلِمَةِ. وقياس قول الأخْفَشِ في هذا النَّحوِ أن يغيِّر الحرفَ لا الحَرَكَة، ف «معيشة» عنده شَاذَّةٌ إذْ كان يَنْبَغِي أَن يقال فيها مَعُوشة.

وأمَّا على قولنا إنَّ أصلها «مَعِيشَةٌ» بكسر العين فلا شُذُوذَ فيها ومذهب الفرَّاءِ: أنَّ وزنها مَفْعلة بفتح العين، وليس بشيءٍ.

والمعيشةُ اسمٌ لما يُعاشُ به أي: يُحْيا وقال الزَّجَّاجُ: المعيشةُ ما يتوصلون به إلى العيش وهي في الأصل مصدر ل «عَاشَ» يعيشُ عَيْشاً، وعِيْشَةً قال تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: ٢١] ، وَمَعَاشاً: قال تعالى: {وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً} [النبأ: ١١] ، ومَعِيشاً قال رُؤبةُ: [الرجز]

٢٤٠٦ - إلَيْكَ أشْكُوا شِدَّةَ المَعيشِ ... وَجُهْدَ أعْوَامِ نَتَفْنَ رِيشِي

والعامَّةُ على «مَعَايشَ» بصريح الياءِ. وقد خرج خارجةُ فَرَوَى عن نافع «مَعَائِشَ» بالهَمْزِ، وقال النَّحْويُّون: هذا غَلَطٌ؛ لأنَّهُ لا يهمز عندهم إلا ما كان فيه حرفُ المدِّ زائداً نحو: صَحَائِف ومَدَائِن، وأمَّا «مَعَايِش» فالياءُ أصلٌ؛ لأنها من «العَيْشِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>