وقِيلَ: إنَّه تبارك وتَعالَى [لَمَّا] أَمَرَ بالذِّكْر مُطْلَقاً في قَوْله تعالى: «فَاذكرُونِي» بيّن الأَحوالَ الَّتي يذكر فيها وإحداها الذِّكْر مُطْلقاً.
والثَّانية: الذكْرُ في حَال النِّعْمَةِ، وهو المرادُ بقوله تعالى:{واشكروا لِي}[البقرة: ١٥٢] .
الثالثةُ: الذّكْر في حَال الضَّرَّاءِ، فقال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف والجوع}[البقرة: ١٥٥] إلى قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصابرين}[البقرة: ١٥٥] ثم بَيَّنَ في هذه الآيةِ المَوَاضِع الَّتِي يُذْكَرُ فيها، ومِنْ جُمْلَتِها عنْد الصَّفَا والمَرْوَةِ، وبَقِيَّة المشَاعِر.
وثانيها: أَنَّهُ لمّا قال سبْحَانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف والجوع}[الآية] إلى قوله سبحانَهُ: {وَبَشِّرِ الصابرين} ، ثم قَالَ [عَزَّ وَجَلَّ] : {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ} ، وإنما جَعَلَهَا كذلك، لأنَّها مِن أثار «هَاجَرَ، وإسْمَاعِيل» ، وما جَرَى [عليْهمَا] من البَلْوَى ويُستَدَلُّ بِذلك عَلَى أَنَّ مَنْ صَبَرَ عَلَى البَلْوَى، لا بُدَّ وأَنْ يَصِلَ إِلَى أَعْظَمِ الدَّرَجَاتِ.
وثالثها: أنَّ [أقسام] التَّكْليفِ ثَلاثَةٌ:
أحدها: ما يَحْكُمُ العاقلُ [بِحُسْنِهِ] في أَوْلِ الأَمْرِ، فَذَكَرَهُ أَوَّلاً، وهو قوله تعالى:{فاذكرونيا أَذْكُرْكُمْ واشكروا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة: ١٥٢] ؛ فَإنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أنَّ ذِكْرَ المُنْعِمِ بالمَدْحِ، والشُّكْرِ، أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ في العَقْلِ.