للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

في تعلُّق هذه الآية بما قبلها وُجُوهٌ.

أحدُهَا: أَنَّهُ سبحانَهُ وتعالَى بَيَّنّ أَنَّهُ إِنَّمَا حَوَّل القبْلةَ إلى الكعبة؛ ليتُمَّ إِنْعامَه علَى محمَّد [صلواتُ البَرِّ الرِّحيم وسلامُهُ علَيْه] وأمّتِهِ بإِحْيَاءِ شَرِيعَةِ إِبْرَاهيم - علَيه الصَّلاةُ والسلام - لقوله تعالى: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٥٠] ، وكان السَّعْيُ بَيْن الصَّفَا والمَرْوَة مِنْ شَرِيعَة إِبْرَاهِيمَ [علَيْه الصَّلاةُ والسَّلَامُ] فذكَرَ هذا الحُكْمَ عَقبَ تلْكَ الآيَةِ.

وقِيلَ: إنَّه تبارك وتَعالَى [لَمَّا] أَمَرَ بالذِّكْر مُطْلَقاً في قَوْله تعالى: «فَاذكرُونِي» بيّن الأَحوالَ الَّتي يذكر فيها وإحداها الذِّكْر مُطْلقاً.

والثَّانية: الذكْرُ في حَال النِّعْمَةِ، وهو المرادُ بقوله تعالى: {واشكروا لِي} [البقرة: ١٥٢] .

الثالثةُ: الذّكْر في حَال الضَّرَّاءِ، فقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف والجوع} [البقرة: ١٥٥] إلى قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصابرين} [البقرة: ١٥٥] ثم بَيَّنَ في هذه الآيةِ المَوَاضِع الَّتِي يُذْكَرُ فيها، ومِنْ جُمْلَتِها عنْد الصَّفَا والمَرْوَةِ، وبَقِيَّة المشَاعِر.

وثانيها: أَنَّهُ لمّا قال سبْحَانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف والجوع} [الآية] إلى قوله سبحانَهُ: {وَبَشِّرِ الصابرين} ، ثم قَالَ [عَزَّ وَجَلَّ] : {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ} ، وإنما جَعَلَهَا كذلك، لأنَّها مِن أثار «هَاجَرَ، وإسْمَاعِيل» ، وما جَرَى [عليْهمَا] من البَلْوَى ويُستَدَلُّ بِذلك عَلَى أَنَّ مَنْ صَبَرَ عَلَى البَلْوَى، لا بُدَّ وأَنْ يَصِلَ إِلَى أَعْظَمِ الدَّرَجَاتِ.

وثالثها: أنَّ [أقسام] التَّكْليفِ ثَلاثَةٌ:

أحدها: ما يَحْكُمُ العاقلُ [بِحُسْنِهِ] في أَوْلِ الأَمْرِ، فَذَكَرَهُ أَوَّلاً، وهو قوله تعالى: {فاذكرونيا أَذْكُرْكُمْ واشكروا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: ١٥٢] ؛ فَإنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أنَّ ذِكْرَ المُنْعِمِ بالمَدْحِ، والشُّكْرِ، أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ في العَقْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>