قوله:{لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلَا الملاائكة المقربون} الآية لمَّا أقام الحُجَّة القَاطِعَة على أنَّ عيسى عَبْدُ الله، لا يَجُوز أن يكُون ابْناً لَهُ، أشَارَ بَعْدَه إلى حِكَايَةِ شُبْهَتِهِم، وأجَابَ عَنْهَا؛ لأنَّ الشُّبْهَة التي عَوَّلُوا عَلَيْها في إثْبَاتِ أنَّهُ ابن اللَّهِ؛ هو [أنَّه] كان يُخْبِرُ عن الغيبيّات، ويأتي بِخَوارقِ العاداتِ من الإبْرَاء والإحْيَاء، فكأنَّهُ - تعالى - قال:{لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح} بسبب القَدْرِ من العِلْم والقُدْرَة عن عِبَادةِ الله -[سبحانه] وتعالى -، فإن الملائِكَة المقَرَّبينَ أعْلَى حَالاً مِنْهُ في اَلقُدْرَة؛ لأن ثَمَانِيةً منهم حَمَلةُ العَرْشِ على عَظَمَتِهِ، ثم [إنّ] الملائكة مع كمالهم في العُلُوم، لمْ يَسْتَنْكِفُوا عن عُبُودِيَّة الله، فكيف يَسْتَنْكِفُ المَسِيحُ عن عُبُوديَّته بسبب هذا القَدْرِ القَلِيلِ الذي كان مَعَهُ من العِلْمِ والقُدْرَة.
والاسْتنْكَافُ: استفعالٌ من النَّكْفِ، والنَّكْفُ: أن يُقال [له] سوء، ومنه:«وما عليه في هذا الأمْرِ نَكْفٌ ولا وَكْفٌ» ، قال أبو العباس:«واسْتَفْعَلَ هنا بمعنى دفع النَّكْفَ عَنْه» ، وقال غيره:«هو الأنَفَةُ والتَّرفُّع» ، ومنه:«نَكَفْتُ الدَّمْعَ بإصْبَعِي» ، إذا منعته من الجَرْي على خَدِّك، قال:[الطويل]
رُوِيَ أن وَفْدَ نَجْرَان قالُوا: يا مُحَمَّد، إنك تَعِيبُ صَاحِبَنَا، فتقول: إنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«ليْسَ بعارٍ لعيسى - عليه السلام - أنْ يكُونَ عَبْداً لِلَّهِ» فنزلَت هذه الآية.
وقرأ عَلِيٌّ:«عُبَيْداً» على التَّصْغِير، وهو مُنَاسِبٌ للمَقَام، وقرأ الجمهورُ «أن يكُون عَبْداً لِلَّهِ» بفتح همزة «أنْ» ، [فهوُ في موضعِ نَصْبٍ، وقرأ الحسن:«إنْ» بكَسْر الهمزة على أنَّها نَفيٌ بمعنى] : ما يكون له ولدٌ، فينبغي رفع «يكونُ» ، ولم يذكره الرواة؛ نقله القرطبيّ.