قرأ الأخوان:«سَيُغلبُونَ» و «يُحْشَرُونَ» - بالغيبة - والباقون بالخطاب، وهما واضحان كقولك: قل لزيد: قم؛ على الحكاية، وقل لزيد: يقوم وقد تقدم نحو من هذا في قوله: {لَا تَعْبُدُونَ إِلَاّ الله}[البقرة: ٨٣] .
وقال أبو حيّان: - في قراءة الغيبة -: «الظاهر أنَّ الضميرَ للذين كفروا، وتكون الجملة - إذ ذاك ليست محكية ب» قل «بل محكية بقول آخَرَ، التقدير: قل لهم قولي: سيغلبون وإخباري أنهم سيقع عليهم الغَلَبةُ، كما قال:» قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سلف «فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيُغْلَبون، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم سيُغْلَبُون» .
وهذا الذي قاله سبقه إليه الزمخشريُّ، فأخذه منه، ولكن عبارة الزمخشريِّ أوضحُ، قال رَحِمَهُ اللَّهُ: فإن قلت: أيُّ فَرْقٍ بين القراءتين - من حيث المعنى؟
قلت معنى القراءة بالتاء - أي من فوق - الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحَشْر إلى جهنَّمَ، فهو إخبار بمعنى: ستُغْلَبُون وتُحْشَرون، فهو كائن من نفس المتوعَّد به، وهو الذي يدل عليه اللفظ ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكي لهم ما أخْبِرَ به من وعيدهم بلفظه، كأنه قال: أدِّ إليهم هذا القول الذي هو قولي لك: «سيُغْلَبون ويُحْشَرون» .
وجوَّز الفرَّاءُ وثعلبُ أن يكون الضمير في «سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ» لكفار قريش، ويُرَاد بالذين كفروا اليهود، والمعنى: قل لليهود: ستُغْلَبُ قريش. وهذا إنما يتجه على قراءة الغيبة فقط.
قال مَكيٌّ:«ويقوِّي القراءة بالياء - أي من تحت - إجماعهم على الياء في قوله:{قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] ، والتاء يعني من فوق أحَبُّ إليَّ، لإجماع الحَرَميَّينِ وعاصم وغيرهم على ذلك» .
قال شهابُ الدينِ: ومِثْل إجماعهم على قوله: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ}[الأنفال: ٣٨] إجماعُهم على قوله {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ}[النور: ٣٠] ، وقوله:{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ}[الجاثية: ١٤] ، وقال الفرّاء: «مَن قرأ بالتاءِ جعل