الأولُ: أنه تعالى لمّا ذكر دَلَائِلَ الإلهيَّةِ، وكمال العلم والقدرة من العالم العلويّ، وهو السَّموات والشَّمْسُ، والقمر، والنُّجُوم، أتبعه بذكر الدَّلائل من أحوال العَالمِ السُّفْلِيّ.
واعلم أنَّ أحوال هذا العالم محصورةٌ في أمور أربعة: الآثار العُلْويَّة، والمعادن، والنَّبَات، والحيوان، ومن جملة الآثار العلويَّة: الرياحُ السَّحَابُ والأمطار، ويترتب على نزول الأمطار أحوال النَّبَات، وهو المذكور في هذه الآية.
الثاني: أنَّهُ تعالى لمَّا أقاَمَ الدَّلالة في الآية الأولى على وجود الإله القادِرِ العالم الحكيم؛ أقَامَ الدَّلالة في هذه الآية على صِحَّةِ القول بالحشر، والنَّشْرِ، والبعث، والقيامة ليحصلَ بمعرفة هايتن الآيتين كلُّ ما يحتاج إليه في معرفة المَبْدَأ والمعاد.
قوله:«الرِّيَاح بُشْراً» قد تقدَّم خلاف القرَّاءِ في إفراد «الرِّيحِ» وجمعها بالنِّسْبَة إلى سائر السُّور في البقرة.
وأمّا «بُشْراً» فقأه في هذه السّورة - وحيث ورد في غيرها من السُّورِ - نافع وأبو عمرو وابن كثير بضم النون والشِّين، وهي قراءة الحسنِ وأبي عَبْدِ الرَّحْمنِ، وأبي رجاء بخلاف عنهم، وشَيْبَةَ بْن نصَاحٍ وعيسَى بْنِ عُمر وأبِي يحيى، وأبي نَوْفَلٍ الأعْرَابيَّيْنِ. وفي هذه القراءة وجهان فيتحصَّلَ فيها ستَّةُ أوْجُه:
أحدها: أن «نُشُراً» جمع نَاشِرٍ ك «بازل» و «بُزُلٍ» و «شَارِفٍ» و «شُرُفٍ» وهو جمع شاذٌّ في فاعل.
ثم «نَاشِرٌ» هذا اختلف في معناه فقيل: هو على النَّسَبِ: إمَّا إلى النِّشْر ضدَّ الطيِّ، وإمَّا إلى النُّشُورِ بمعنى الإحياء كقوله:{وَإِلَيْهِ النشور}[الملك: ٢٥] ، والمعنى: ذا نَشْرٍ، أو نشورٍ ك «لابنٍ» و «تَامِرٍ» .
وقيل: هو فاعل من نَشَرَ مطاوع أنْشَرَ يُقال: أنْشَرَ اللَّهُ الميِّتَ، فَنَشَرَ فهو نَاشِرٌ، وأنشد:[السريع]