أولها: أنه تعالى، لمَّا ذكر أنَّ الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - كان في محنةٍ عظيمة من قومه، بيَّن أنَّ حال جميع الأنبياءِ مع أهل زمانهم كذلك؛ ألا ترى أنَّ الأول منهم آدمُ - صلوات الله وسلامه عليه - ثمَّ إنه كان في محنة من إبليس.
وثانيها: أنَّ القوم، إنَّما نازعُوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعاندوه، واقترحوا عليه الاقتراحات الباطلة لأمرين: الكبر والحسد، فبيَّن سبحانه وتعالى أنَّ هذا الكبر والحسد هما اللذان حملا إبليس على الكفر، والخروج من الإيمان، فهذه بليَّةٌ عظيمةٌ قديمةٌ.
وثالثها: أنَّهم لما وصفهم الله تعالى بقوله: {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَاّ طُغْيَاناً كَبِيراً}[الإسراء: ٦٠] بيَّن ما هو السبب لحصُول هذا الطُّغيان، وهو قول إبليس «لأحتنكنَّ ذريته إلا قليلاً» فلهذا المقصود ذكر الله تعالى قصَّة آدم وإبليس.
واعلم أنَّ هذه القصَّة ذكرها الله تعالى في سبع سورٍ؛ البقرةِ، والأعراف، والحجر، وهذه السورة، والكهف، وطه، وص، وقد تقدم الاستقصاء عليها في البقرة، فليلتفت إليه. وقوله:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} استفهامٌ بمعنى الإنكار، معناه: أنَّ أصلي أشرفُ من أصله؛ فوجب أن أكون أشرف منه، والأشرف لا يخدم الأدنى.
قوله تعالى:«طيناً» : فيه أوجه:
أحدها: أنه حال من «لِمَنْ» فالعامل فيها «أأسجدُ» أو من عائد هذا الموصول، أي: خلقتهُ طيناً، فالعامل فيها «خَلقْتَ» وجاز وقوع طينٍ حالاً، وإن كان جامداً، لدلالته على الأصالة؛ كأنه قال: متأصِّلاً من طين.