واختلف في الجن والإنس، قيل: المراد بهم العموم والمعنى إلا لآمرهم بالعبادة وليقروا بها، وهذا منقول عن علي بن أبي طالب، ويؤيده:{وَمَآ أمروا إِلَاّ ليعبدوا إلها وَاحِداً}[التوبة: ٣١] أو يكون المعنى: ليطيعوني وينقادوا لقضائي، فالمؤمن يفعل ذلك طوعاً والكافر كرهاً، فكل مخلوق من الجِنّ والإنس خاضع لقضاء الله متذلّل لمشيئته، لا يملك أحد لنفسه خروجاً عما خلق عليه. أو يكون المعنى: إلا معدين للعبادة، ثم منهم من يتأتى منه ذلك، ومنهم من لا، كقولك: هَذَا القَلَمُ بَرَيْتُهُ لِلْكِتَابَةِ، ثم قد يكتب به، وقد لا يُكْتَب وقيل: المراد به الخصوص، أي ما خلقت السعداءَ من الجنِّ والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم إلا لمعصيتي. قاله زيد بن أسلم. قال: هو ما جُبلوا عليه من السعادة والشقاوة، ويؤيده قوله:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجن والإنس}[الأعراف: ١٧٩] .
وقال مجاهدٌ: معناه إِلَاّ ليعْرفُون. قال البغوي: وهذا أحسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده، بدليل قوله:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله}[الزخرف: ٨٧] ، وقيل: إلا ليعبدون أي إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيُوَحِّده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشّدة والبلاء دون النعمة والرخاء قال تعالى:{فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين}[العنكبوت: ٦٥] وقيل: المراد وما خلقت الجِنَّ والإِنْسَ المؤمنين. وقيل: الطائعين. قال شهاب الدين: والأول أحسنُ.