قوله: {كَذَّبَتْ (ثَمُودُ بالنذر} اعلم أَنَّه تعالى لم يقل في قوم نوح: «كَذَّبْت قَوْمُ نُوحِ) بالنذر» وكذلك في قصة عاد. لأن المراد بقوله:{كذبت قبلهم قوم نوح} أن عادتهم إنكار الرسل وتكذيبهم فكذبوا نوحاً على مذهبهم وعادتهم.
وإنما صرح ههنا، لأن كل قوم يأتون بعد قوم، فالمكذِّب المتأخر يكذب المرسلينَ جميعاً حقيقةً، والأولون يكذبون رسولاً واحداً حقيقة ويلزم منه تكذيب من بعده تبعاً، ولهذا المعنى قال في قوم نوح:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين}[الشعراء: ١٠٥] وقال في عاد: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ}[هود: ٥٩] فذكر بلفظ الجمع المُسْتَغْرق ثم إنه تعالى قال عن نوح: {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ}[الشعراء: ١١٧] ولم يقل: كَذَّبُوا رُسُلَكَ إشارةً إلى ما صدر منهم حقيقة لا إلى ما لزم منه، وقوله تعالى:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} إن قلنا: إن النذر هم الرسل فهو كما تقدم، وإن قلنا: إن النذر هي الإنذارات فنقول: قوم نوح وعاد لم تستمر المعجزات التي ظهرت في زمانهم.
وأما ثمود فأُنْذِرُوا وأُخْرِجَ لهم ناقة من صخرةٍ وكانت تدور بينهم وكذبوا فكان تكذيبهم بإِنذاراتٍ وآياتٍ ظاهرة فصرَّح بها.
قوله:«أبَشَراً» منصوب على الاشتغال وهو الراجح، لتقدم أداة هي بالفعل أولى. و «مِنَّا» نعت له. و «وَاحِداً» فيه وجهان:
أظهرهما: أنه نعت «لِبَشَراً» إلا أنه يشكل عليه تقديم الصفة المؤولة على