اختلفوا في نُزُول هذه الآية، وإن كان حُكمُهَا عامًّا لجميع المؤمنين، فقال قومٌ: نزلت في عبادة بن الصَّامتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -، وعبد الله بن أبي ابن سلُول - لعنهُ الله -، وذلك أنَّهما اخْتَصَما، «فقال عُبَادة: إن لي أوْلِيَاء من اليَهُود كثير عَدَدَهُم شديدةٌ شوْكَتُهُم، وإنِّي أبرأ إلى الله - تعالى - وإلى رسُوله من ولايتهِم وولايَة اليَهُود، ولا مولى لي إلا الله - عزَّ وجلَّ - ورسوله. فقال عبدُ الله - لعنه الله -: لكنِّي لا أبرأ مِنْ ولايَة اليَهُود لأنِّي أخاف الدَّوَائر ولا بُدَّ لِي مِنْهُم فقال النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -: يا أبا الحُبَاب ما نفذت من ولاية اليَهُود على عُبَادة بن الصَّامِت فهو لك دُونه قال: إذْن أقْبَل» فأنزل اللَّه - تعالى - هذه الآية.
وقال السُّدِّيُّ: لمَّا كانت وقعة [أُحُد] اشتدَّتْ على طائِفَةٍ من النَّاس، وتَخوَّفُوا أن يُدَال عليهم الكُفَّار، فقال [رَجُلٌ] من المُسْلِمين: أنَا ألْحَقُ بِفلانٍ اليهُودِيّ، وآخذ منه أماناً إنِّي أخافُ أن يُدالَ علينا اليَهُود.
وقال رجُل آخَر: أما أنا فألْحَقُ بفُلانٍ النَّصْرَانِيِّ من أهْلِ الشَّام، وآخُذ منه أمَاناً، فأنْزَل الله هذه الآية نَهْياً لَهُمَا.
وقال عكرمة: نزلت في أبِي لُبَابة بن عبد المُنْذِر بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - إلى بني قُرَيْظَة حين حَاصَرَهُم، فاسْتَشَارُوه في النُّزول، وقالوا: ماذا يَصْنَعُ بنا إذا نَزَلْنَا فجعل إصْبَعَهُ على حَلْقِه أنَّه الذَّبح، أي: يَقْتُلكُمْ، فنَزَلَتْ هذه الآية؛ ومعنى لا تتَّخِذُوهُمْ أي: لا تَعْتَمِدُوا على اسْتِنْصَارِهِم، ولا تتودَّدُوا إلَيْهِم.