قوله:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ} العامة على ضم تاء المضارعة من: أَكنَّ، قال تعالى: «أَوْ أَكْنَنْتُمْ، وابن محيصن وابن السميفع وحُميد بفتحها وضم الكاف، يقال: كَنَنْتُهُ وَأَكْنَنْتُهُ، بمعنى: أخفيت وسترت.
قوله:{وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ} في هذه التاء قولان:
أحدهما: أنّها للمبالغة، كراويةٍ وعلاّمة، وقولهم: ويل للشاعر من رواية السوء، كأنه تعالى قال: وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد عَلِمه الله.
والثاني: أنها كالتاء الداخلة على المصادر نحو: العافية والعاقية، قال الزمخشري: ونظيرها الذبيحة والنطيحة والرّمية في أنها أسماء غير صفات. {إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} أي: في اللوح المحفوظ والمبين: الظاهر المبين لمن ينظر فيه من الملائكة.
قوله
: {إِنَّ
هذا
القرآن} الآية، لما تمَّمَ الكلام في إثبات المبدأ والمعاد، ذكر بعده ما يتعلق بالنبوة، ولمَّا كانت العمدة الكبرى في إثبات نبوة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هي القرآن لا جرم بيّن الله تعالى أولاً كونه معجزة من وجوه.
أحدها: أنّ الأقاصيص المذكورة في القرآن موافقة للمذكور في التوراة والإنجيل، مع العلم بأنه - عليه السلام - كان أُمّيّاً - ولم يخالط العلماء، ولم يشتغل بالاستفادة والتعلّم، فإذن لا يكون ذلك إلاّ من قِبَل الله تعالى، وأراد ما اختلفوا فيه وتباينوا، وقبل ما حرّفه بعضهم، وقيل: إخبار الأنبياء.
وثانيها: قوله {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ} ، وذلك لأنّا تأملنا في القرآن فوجدنا فيه من الدلائل العقلية على التوحيد والحشر والنشر والنبوّة وشرح صفات الله ما لم نجده