قوله تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} الآية. أعاد الشبهة المتقدمة وأجاب عنها من وجهين:
الأول: قوله: {تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} كما تقدم من أنَّ الكفار يدعون إلى طاعة الشيطان، ومحمد يدعو إلى لعن الشيطان والبراءة منه.
والثاني: قوله: {يُلْقُونَ السمع وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} ومعناه: أنهم كانوا يقيسمون حال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على حال الكهنة (فكأنه قيل: إن كان الأمر على ما ذكرتم فكما أن الغالب على سائر الكهنة الكذب، فجيب أن تكون حال الرسول كذلك، فلما لم يظهر في إخبار الرسول عن المغيبات إلا الصدق علمنا أنَّ حاله بخلاف حال الكهنة) .
قوله:«عَلَى مَنْ» متعلق ب «تَنَزَّلُ» بعده. وإنما قُدِّم، لأَنَّ له صدر الكلام، وهو مُعلقٌ لما قبله من فِعْل التَّنْبِئَة، لأنها بمعنى العلم.
ويجوز أن تكون هنا متعدية لاثنين، فتسد الجملة المشتملةُ على الاستفهام مسدّ الثاني، لأنَّ الأول ضمير المخاطبين. وأن تكون متعديةً لثلاثة فتسد مسدّ اثنين.
وقرأ البَزِّيُّ:{عَلَى مَنْ تَّنزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَّنَزَّلُ} بتشديد التاء من «تنزل» في الموضعين والأصل: «تَتَنَزَّل» بتاءين فأدغم، والإدغام في الثاني سهل، لتحرك ما قبل المدغم، وفي الأول صُعُوبةٌ لسكون ما قبله وهو نُونُ «مَنْ» . وتقدم تحقيق هذا في البقرة عند قوله:{وَلَا تَيَمَّمُواْ الخبيث}[البقرة: ٢٦٧] .
قوله:«يُلْقُونَ» . يجوز أن يعود الضمير على «الشَّيَاطِين» فيجوز أن تكون الجملة «يُلْقُونَ» حالاً، وأن تكون مستأنفة. ومعنى إلقائهم السمعَ: إنصاتهم إلى الملأ الأعلى لِيَسْتَرِقُوا شيئاً، أو يلقون الشيء المسموع إلى الكهنة.