قوله:{ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر} وجه تعلق الآية بما قبلها أن الشرك سبب الفساد كَمَا قَالَ تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلَاّ الله لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢] وإذا كان الشرك سببه جعل الله إظهارهم الشرك مورثاً لظهور الفساد ولو فعل (بهم) ما يقتضيه قولهم لفسدت السموات والأرض، كما قال تعالى:{تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً}[مريم: ٩٠، ٩١] ولهذا أشار بقوله: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذي عَمِلُواْ} ، واختلفوا في قوله:{فِي البر والبحر} ، فقيل: المراد خوف الطوفان في البحر والبر، وقيل: عدم إنبات بعض الأرض وملحة مياه البحار. وقيل: المراد قحط المطر وقلة النبات، وأراد بالبرّ البوادي والمَفَاوِز وبالبحر المدائن والقُرَى التي على المِياه الجَارِيةِ.
قال عكرمة: العرب تسمي المِصْرَ بَحْراً تقول: أجدب البر وانقطعت مادة البحر.
قوله:«بما كسبت» أي بسب كسبهم، والباء متعلقة «بظَهَرَ» أو بنفس الفساد. وفيه بُعْد (والمعنى بشؤم ذنوبهم) وقال (ابن) عَطِيَّة، البر ظهر الأرض الأمصار وغيرها، والبحر هو البحر المعروف، والفساد قلة المطر يؤثر في البر والبحر أما تأثيره في البر فهو القحط وأما تأثيره في البحر فيخلوا أجواف الأصداف؛ لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع فيه من المطر صار لؤلؤاً. قال ابن عباس وعركمة ومجاهد: الفساد في البرِّ قتل أحد ابني آدم أخاه وفي البحر غَضْب الملك الجائر السفينة. وقال الضحاك: كانت الأرض خَضِرَةً مونقة لا يأتي ابن آدم بشجرة إلا وجد عليها ثمرةً وكان ما في البحر عَذْباً وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم فلما قتل قابيلُ هابيلَ اقْشَعَرَّت الأرض وشَاكَتِ الأشجار، وصار ماء البحر ملحاً زُعَاقاً وقصد الحيوان بعضه بعضاً. وقال قتادة: هذا قبل مَبْعَث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - امتلأت الأرض ظلماً وضلالة فلما بعث الله محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجع الراجعون من الناس {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس} من المعاصي «يعني كفار مكة» .
قوله:«لِيُذِيقَهُمْ» اللام للعلة متعلق «بظَهَرَ» ؛ وقيل: بمحذوف، أي عَاقَبَهْمْ