قوله جلا وعلا:{وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَآئِيلَ} الآية في اتِّصال هذه الآية بما قَبْلَها وجُوه:
أحدُهَا: أنه لما ذكر في الآية الأولى، وهو قوله:{واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[المائدة: ٧] ، ذكر بَعْدَهُ أخذ الميثاق من بَنِي إسرائيل لكنَّهُم نَقَضُوه، وتَركُوا الوَفَاء به، أي فلا تكُونُوا مثل أولَئِك من اليَهُود في هذا الخُلُق الذَّمِيم، فَتَصِيروا مِثْلَهُم فيما نزل بهم.
وثانيها: لما قال تعالى: {اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ}[المائدة: ١١] ، وقد تقدَّم في بعض رواياتِ أسْبَاب النُّزُول أنَّها نزلت في اليَهُود، وأنَّهم أرادوا إيقاع الشَّرِّ برسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فلما ذكر اللَّه تعالى [ذلك] أتْبَعَهُ بِذِكْرِ فَضَائِحِهمْ، وبيان أنَّهُم [أبداً] كانوا مُواظبِين على نَقْضِ الموَاثيق.
ثالثها: أنَّ الغَرض من الآيات المُتقدِّمة ترغِيبُ المكلَّفِين في قُبُول التكاليف وترك العصيان، فذكر تعالى أنَّه كلَّفَ من كان قَبْلَكُم كما كلَّفكم؛ لِتَعْلَموا أنَّ عادة الله في عِبَادِه أن يُكَلِّفَهُم، فليس التَّكْليف مَخْصوصاً بكم أيُّهَا المُؤمِنُون، بل هي عَادَةٌ جَارِيَةٌ له مع جَمِيع عِبَادِه.