للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: كيف أقَرُّوا في هذه الآية الكريمة بالكُفْرِن وجَحَدوا في قوله: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣] .

فالجواب: يوم القيامة يوم طَويلٌ، والأحْوال في مُخْتَلِفَةٌ، فتارة يُقِرُّون وأخْرى يَجْحَدُون، وذلك يَدُلُّ على شِدَّة الخَوْفِ واضْطِرَاب أحْوالِهم، فإن من عَطُمَ خَوْفُه، كَثُر الاضْطِرَابُ في كلامه، قال - تبارك وتعالى -: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} أي: أنهم إنِّما وقعُوا في الكُفر بسبب أنَّ الحياة الدُّنْيا غَرَّتْهُم، حتى لم يُؤمِنُوا وشَهِدُوا على أنْفُسِهِم أنَّهم كَانُوا كافِرين، وحمل مُقَاتِل قوله «وشَهِدُوا على أنْفُسهمْ» بأنه تِشْهد عَلَيْهِم الجَوَارحُ بالشِّرْك والكُفْر ومَقْصُوده دفع التكْرَار عن الآية الكريمة، وهذه الآية تَدُلُّ على أنَّه لا يتَكِليف قَبْل ورُودِ الشَّرْع، وإلَاّ لم يَكُون لهذا التَّعْلِيل فَائِدَة.

قوله

: {ذلك

أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ} فيه ثلاثة أوجه:

أحدهما: أنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الخَبَر، أي: ذَلِك الأمر.

الثاني: عكس ذلك الأمر.

الثالث: أنه مَنْصُوب فِعْل، أي: فَعَلْنَا ذلك، وإنما يَظْهَر المَعْنَى إذا عُرِف المُشَارُ إليه، وهو يُحْتَمل أن يكُون إتْيَات الرُّسُل وأمْر من كذَّب، ويحتمل أن يكون إشَارَةً إلى السُّؤال المَفْهُوم من قوله: «ألَمْ يَأتِكُمْ» وقوله: «أنْ لَمْ يَكُنْ» يَجُوز فيه وجهان:

أحدهما: أنه على حَذْفِ لام العِلَّة أي: ذلك الأمر الَّذي قَصًَصْنا، أو ذلك الإتْيان، أو ذلك السُّؤال لأجْل «أنْ لَمْ يَكُن» فلما حُذِفَت اللَاّم احتمل مَوْضِعُها الجَرّ والنَّصْب كما عُرِف مِرَاراً.

والثاني: أن يكُونَ بدلاً من ذلك.

قال الزَّمَخْشَري: ولك أن تَجْعَله بَدَلاً من ذلك؛ كقوله: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} [الحجر: ٦٦] .

فيجوز أن يَكُون في محلِ رفع أو نصب على ما تقدَّم في ذلك، إلَاّ أنَّ الزَّمَخْشَرِي القائل بالبَدليَّة لم يَذْكُر لأجْل ذلك إلَاّ الرَّفْع على خَبَر مُبْتَدأ مُضْمَر، و «أنْ» يجوز أن تكثون النَّاصِبَة للمُضَارع، وأن تكُون مُخَفَّفَة، واسْمُهَا ضَمِير الشَّأن، و «لَمْ يَكُنْ» في محلِّ رفع خبرها، وهو نظير قوله: {أَلَاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} [طه: ٨٩] .

وقوله: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>