قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى الكتاب فاختلف فِيهِ} الآية.
لمَّا بيَّن إصرار كُفَّار مكَّة على إنكارِ التَّوحيدِ، وبيَّن إصرارهم على إنكار نُبُوَّةِ محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتكذبيهم بكتابة، بيَّن أنَّ هؤلاء الكُفَّار كانوا على هذه السيرة الفاجرةِ، مع كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وضرب لذلك مثلاً، وهي إنزالُ التوراة على موسى فاختلفوا فيه فقبله بعضهم وأنكره بعضهم، وذلك يدلُّ على أنَّ عادة الخلق هكذا.
قوله:{فاختلف فِيهِ} أي: في الكتابِ، و «في» على بابها من الظَّرفية، وهو هنا مجاز، أي: في شأنه. وقيل: هي سببية، أي: هو سببُ اختلافهم، كقوله تعالى:{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}[الشورى: ١١] أي: يُكثِّرهم بسببه. ومعنى اختلافهم فيه: أي: فمن مصدق به ومكذب كما فعل قومك بالقرآن، يُغَزِّي نبيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقيل:«فِي» بمعنى «عَلَى» ويكون الضًَّمير لموسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - أي: فاختلف عليه «ولْولَا كملةٌ سبقتْ من ربِّكَ» في تأخير العذاب عنهم: «لقُضِيَ بينَهُم» أي: لعذَّبُوا في الحالِ، لكن قضاؤه أخَّر ذلك عنهم في دنياهم.
وقيل: معناه أنَّ الله إنَّما يحكم بين المختلفين يوم القيامة، وإلَاََّ لكان الواجب تمييز المُحقِّ من المبطل في دار الدنيا.
وقيل: المعنى ولولا أنَّ رحمته سبقت غضبه، وإلَاّ لقضي بينهم. ثم قال:{وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} يعني أنَّ كفَّار مكَّة لفي شكِّ من هذا القرآن «مُريبٍ» من أراب إذا