كما رَغَّبَ في الجِهَادِ، أتْبَعَ ذلِك ببَيَانِ أحْكَام الجِهَاد، ومن أحْكَامه: التَّحْذِير عن قَتْل المُسْلِمِين على سبيل العَمْدِ والخَطَأ وعلى تأويل الخَطَأ، ثم أتْبَعَهَ بحُكْم آخر؛ وهو بَيان فَضْل المُجَاهِد على غَيْرِه.
وقيل: لما عاتبهم على قَتْل المتكَلِّم بالشَّهادة، فلعَلَّه وَقَعَ في قُلُوبهم أن الأوْلى الاحْتِرَاز عن الجِهَادِ؛ للوقوع في مِثْل هذا المَحْذُورِ فذكر عَقِبه فَضْل المُجَاهد على غَيْره؛ إزالَة لهذه الشُّبْهَة.
قوله «غير أولي الضرر» قرأ ابن كثير وأبو عَمْرو وحَمْزَة وعَاصِم: «غير» بالرفع، والباقون: بالنَّصْب، والأعْمَش: بالجرِّ.
والرَّفع على وجهَيْن:
أظهرهما: أنه على البَدَل من «القاعدون» وإنما كان هذا أظْهَر؛ لأن الكَلَام نفي، والبدلُ معه أرْجَحُ؛ لما قُرِّر في علم النَّحْو.
والثاني: أنه رَفْعٌ على الصِّفَة ل «القاعدون» ، ولا بد من تأويل ذلك؛ لأن «غير» لا تتعَرَّفُ بالإضَافَة، ولا يَجُوز اختِلَافُ النَّعت والمَنْعُوت تعريفاً وتنكيراً، وتأويله: إمَّا بأن القاعِدِين لَمَّا لم يَكُونوا نَاساً بأعْيَانِهِم، بل أُرِيد بهم الجَنْسُ، أشْبَهوا النَّكِرة فَوُصِفوا كما تُوصَف، وإمَّا بأن «غير» قد تَتَعَرَّف إذا وقَعَت بين ضِدَّين، وهذا كما تَقَدَّم في إعْرَاب {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم}[الفاتحة: ٧] في أحَد الأوْجُه، وهذا كلُّه خُرُوج عن الأصُول