قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً}(الآية) لما وصف الآخرة بوصف يوجب الرغبة العظيم فيها وصف الدنيا بصفة توجب (اشتداد) النفرة عنها، وذلك أنه أنزل من السماء ماء وهو المطر وقيل: كل ماء في الأرض فهو من السماء، ثم إنه تعالى ينزله إلى بعض المواضع ثم يقسمه {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض} أي يعوناً ومسالك وَركَايَا في الأرض ومجاري كالعروق في الأجساد {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} من خُضْرَة وحُمْرة، وصُفرة وبَيَاض وغير ذلك مختلفاً أصنافه من بُرِّ وشَعير وسِمْسِم «ثُمَّ يَهِيجُ» أي يَبْيَسُ «فَتَراهُ مُصْفَرًّا» لأنه إذا تم جفافه جازَ (له) أن ينفصل عن منابته وإن لم تَتَفَرَّق أجزاؤه فتلك الأجزاء كأنها هاجت لأن تتفرق ثم تصير حُطَاماً فُتَاتاً متكّسراً {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لأُوْلِي الألباب} يعني من شاهد هذه الأحوال في النبات يصير مُصْفَرَّ اللون متحطم الأعضاءِ والأجزاء ثم يكون عاقبته الموت، فإذا كانت مشاهدة فحينئذ تعظم نُفْرتُهُ عن الدنيا ولذاتها.
قوله:{ثُمَّ يَجْعَلُهُ} العامة على رفع الفعل نَسَقاً على ما قبله، وقرأ أبو بشر ثم يَجْعَلَهُ منصوباً.