ثم قال تعالى:{وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} .
وهذا تهديدٌ ووعيدٌ؛ لأنَّه تعالى لمَّا بالغ في الإعذار والإنذار والتَّرغيب والتَّرهيب، أبتع ذلك بأن قال للرسول - صلوات الله وسلامه عليه - {وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} ولم تؤثر فيهم هذه البيانات البالغة: {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ} وهذا عين ما حكاه عن شعيب - عليه السلام - أنه قال لقومه {وارتقبوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ}[هود: ٩٣] . والمعنى: افعلوا كلَّ ما تقدرُون عليه في حقِّي من الشر، فنحن أيضاً عاملون.
وقوله:«اعملُوا» وإن كان صيغته صيغة أمر، إلَاّ أنَّ المراد به التَّهديد، كقوله:{واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}[الإسراء: ٤] وكقوله: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩]«وانتَظِرُوا» ما يعدكم الشيطان من الخذلان ف «إنَّا مُنتَظِرُونَ» ما وعدنا الرَّحمن من أنواع الغفران والإحسان، قال ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: «وانتَظِرُوا» اهلاك ف «إنَّا مُنتَظِرُونَ» لكم العذاب وقيل: «انتظرُوا» ما يحلُّ بنا من رحمة الله «إنَّا مُنتضِرُونَ» ما يحل بكم من نقمته.
ثم إنَّه تعالى ذكر خاتمة شريفة عالية جامعة لكل المطالب الشَّريفة فقال:{وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض}[هود: ١٢٣] أي: علم ما غاب من العبادِ، أي: أن علمه نافذ في جمعي الكفليات والجزئيات، والمعدومات، والموجودات {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّه} في المعاد.
قرأ نافع وحفص «يُرجَع» بضم الياءِ وفتح الجيم، أي: يرد. وقرأ الآخرون بفتح الياء وكسر الجيم، أي: يعودٌ الأمرُ كلُّه إليه حتَّى لا يكون للخلق أمر {فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} وثق به {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} قرأ نافع وابن عامر وحفص «تَعْمَلُون» بالخطاب، لأنَّ قبله «اعْمَلُوا» والباقون بالغيبة رجوعاً على قوله: {لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} وهذا الخلاف أيضاً في آخر النمل.