قال ابنُ الخطيبِ:«ختم هذه السورة بهذه الآية المشتملة على جميع الآدابِ، وذلك لأن أحوال الإنسان قسمان: منها ما يتعلق به وحده، ومنها ما يكون مشتركاً بينه وبين غيره، أما القسم الأول فلا بُدَّ فيه من الصَّبْر، وأما القسم الثاني فلا بد فيه من المصابرة» .
قال الحسن: اصبروا على دينكم، فلا تدعوه لشِدَّةٍ لا رَخَاءٍ.
وقال قتادة: اصبروا على طاعةِ الله، وصابروا أهل الضلالة، ورابطوا في سبيل الله.
وقال الضحاكُ، ومقاتل بنُ سليمان: على أمر اللهِ. وقال مقاتلُ بن حيان: على فرائض الله. وقال زيد بن أسلم: على الجهاد. وقال الكلبيّ على البلاء.
واعلم أن الصبر يدخل تحته أنواع: الصبر على مشقّة النظر والاستدلال على الطاعات، وعلى الاحتراز عن المنهيَّات، وعلى شدائد الدُّنْيا من الفَقْر، والقحط والخوف، وأما المصابرة فهي تَحَمُّل المكاره الواقعة بينه وبيْنَ غيره، كتحَمُّل الأخلاق الردئيةِ من أهله وجيرانه وترك الانتقام كقوله تعالى:{وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين}[الأعراف: ١٩٩] وإيثار الغير على نفسه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقوله:{اصبروا وَصَابِرُواْ} من الجناس اللفظي، وكذلك قوله:{اثاقلتم إِلَى الأرض أَرَضِيتُمْ}[التوبة: ٣٨]«وصابروا» يعني الكفار، «ورابطوا» يعني المشركين.
قال أبو عبيدة:«أي: اثبتوا ودَاوِمُوا» والربطُ: الشد، وأصل المرابطة: أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم بحيث يمون كل من الخصمين مستعداً لقتال الآخرِ ثم قيل