لما طَعَنُوا في النُّبُوة بِمُدَارسة العُلمَاء، حتى عَرَف التَّوْراة والإنجيل، ثم جعل السُّور والآياتِ بِهَذا الطَّريف، وأجاب اللَّه - تعالى - عن هذه الشُّبْهَة، ذكر في هذه الآية شُبْهَة لَهُم أخْرَى، وهي أنَّ هذا القرآن العَظيم لَيْس من جِنْس المُعْجِزاتِ البَيِّنَة، ولو أنَّك يا محمَّد جِئْتَنا بِمُعْجِزَة وبيِّنَة بَاهِرة، لآمَنَّا بك وحلفوا على ذلك، وبالغُوا على ذلك تَأكيد الحَلْف.
قال الواحدي: إنَّما سُمِّي اليمين بالقَسم؛ لأن اليَمين مَوْضُوعة لِتَأكيد الخَبَر الَّذِي يُخْبرُ به الإنْسَان: إمَّا مُثْبِتاً للشَّيء، وإمَّا نافياً، ولما كان الخبر يَدْخله الصِّدْق والكذِب، احَتَاج المُخبر إلى طريق به يُتَوسَّل إلى تَرْجِيح جَانِب الصِّدْق على جَانِب الكَذب، وذلك هو الحَلْف، ولما كانت الحَاجَةُ إلى ذَكْر الحَلف، إنَّما تَحْصُل بالقَسَم، وبنُوا تِلْك الصِّيغة على «أفْعَل» وقالُوا: أقسم فلانٌ يقسم إقساماً، وأرَادُوا: أنه أكَّد القَسَم الذي اخَتَاره، وأحَال الصِّدْق إلى القَسَم الذي اختارَه بواسِطَة الحَلْفِ واليَمِين.
قوله:«جَهْد أيْمَانِهِم» تقدم الكلام عَلَيه في «المائدة» .
وقرا طَلْحَة بن مُصَرِّف:«ليُؤمَنَنْ» مَبْنياً للمفعول مؤكّداً بالنون الخفيفة، ومَعْنَى «جهد أيمانهم» : قال الكَلْبِيُّ ومُقَاتِل: إذا حلف الرَّجُل باللَّه جَهْد يَمِينه، وقال الزَّجَّاج: بالَغُوا في الإيْمَان.
فصل في سبب النزول
قال مُحَمَّد بن كَعْب القُرظي: «قالت قُرَيش: يا مُحَمَّد إنَّك تُخْبِرنا أنَّ مُوسَى - عليه الصَّلاة والسلام - كانت معه عَصاً يَضْرِ ب بها الحجر، فَيَنْفَجِر منه الماءُ اثْنَتي عَشْرَة عَيْناً،