والعامة على بناء «زُيِّنَ» للمفعول، والفاعل المحذوف هو الله تعالى؛ لما ركب في طباع البشر من حب هذه الأشياء، وقيل: هو الشيطان، فالأوّل قول أهلِ السنة؛ قالوا: لو كان المزين هو الشيطان فمن ذا الذي زَيَّن الكفرَ والبدعةَ للشيطان؟ فإن كان ذلك شيطاناً آخرَ لزم التسلسل، وإن وقع ذلك من نفس ذلك الشيطان في الإنسان فليكن في الإنسان كذلك، وإن كان من الله وهو الحق - فليكن في حَقِّ الإنسان أيضاً كذلك، ويؤيده قوله تعالى:{هؤلاء الذين أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا}[القصص: ٦٣] يعني إن اعتقد أحد أنَّا أغويناهم، فمَن الذي أغوانا؟ وهذا ظاهر جداً، وقال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا}[الكهف: ٧] ونُقِل عن المعتزلة ثلاثةُ أقوالٍ:
أحدها: أن الشيطان زَيَّن لهم، حكي عن الحسن أنه [كان]- يحلف بالله على ذلك - ويقول: من زينها؟ إنما زيَّنها الشيطانُ؛ لأنه لا أحد أبغض لها من خالقها.
احتج لهم القاضي بوجوه:
الأول: أنه تعالى أطلق حبَّ الشهواتِ، فيدخل فيه حُبُّ الشهواتِ المحرمةِ، ومُزَينُ الشهواتِ المحرمة هو الشيطانُ.
الثاني: أنه - تعالى - ذكر القناطيرَ المقنطرةَ من الذهبِ والفضةِ، وحُبُّ هذا المالِ الكثيرِ لا يليق إلا بمَنْ جعل الدنيا قِبْلَةَ طلبه، ومُنتَهَى مقصودِه؛ لأن أهْلَ الآخرةِ يكتفون بالبُلْغَةِ.
الثالث: قوله تعالى: {ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا} ، فذكره في مَعْرض ذَمِّ الدنيا، والذامُّ للشيء لا يزينُهُ.
الرابع: قوله: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم}[آل عمران: ١٥] والمقصود من هذا الكلامِ صرفُ العبدِ عن الدنيا وتقبيحُها له، وذلك لا يليق بمن يزيِّنُ الدنيا في عينه.
القول الثاني: أن المزين هو الله تعالى، واحتجوا عليه بوجوه:
أحدها: أنه تعالى كما رغَّب في منافِع الآخرةِ فقد خلق مَلَاذَّ الدنيا، وأباحها لعبيده؛ فإنه إذا خلق الشهوةَ والمُشْتَهَى، وخلق للمشتهى عِلْماً بما في تناوُل المشتَهَى من اللذةِ، ثم أباح له ذلك التناولَ؛ يقال: إنه زيَّنَها له.