قوله:{والذين يُحَآجُّونَ}(مبتدأ، و «حجتهم» ) مبتدأ ثانٍ و (داحضة) خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول. وأعرب مكيٌّ: حجتهم بدلاً من الموصول بدل اشتمال والهاء في «لَهُ» تعود على الله تعالى، أو على الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام أي من بعد ما استجاب الناس لله أو من بعد ما استجاب الله لرسوله حين دعا على قومه. وقال ابن الخطيب: يعود على «الدين» أي من بعد ما استجاب النَّاس لذلك الدين.
فصل
المعنى والذين يخاصمون في دين الله نبيَّه. وقال قتادة: هم اليهود، قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم، فنحن خيرٌ منكم، فهذه خصومتهم من بعد ما استجاب له الناس، فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته «حجتهم داحِضةٌ» خصومتهم باطلة «عِنْدَ رَبِّهِمْ» قال ابن الخطيب: تلك المخاصمة هي أن اليهود قالوا: ألستم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى بالأخذ من المختلف فيه فنبوة موسى عليه الصَّلاة والسَّلام وحقيقة التوراة معلومة بالاتفاق، ونبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليست متفقاً عليها فوجب الأخذ باليهودية، فبين تعالى فساد هذه الحجة، وذلك لأن اليهود أجمعوا على أنه إنما وةجب الإيمان بموسى عليه الصَّلاة والسَّلام لأجل ظهور المعجزات على قوله وهاهنا نظهرت المعجزات على وفق قول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، واليهود شاهدوا تلك المعجزات، فإن كان ظهور المعجزة يدل على الصدق فهاهنا يجب الاعتراف بنبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإن كان لا يدل على الصدق وجب في حق موسى أن لا يقروا بنوته بظهور المعجزات؛ لأنه يكون متناقضاً، ولما قرر (الله تعالى) هذه الدلائل خوف المنكرين بعذاب القيامة فقال: {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الآخرة.
قوله تعالى:{الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق والميزان} قال قتادة ومجاهد ومقاتل: سمي العدل ميزاناً؛ لأن الميزان آلة للإنصاف والتسوية. قال ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس.