قوله:«وَقَالَتْ أُولَاهُمْ» أي في ترك الكُفْرِ والضَّلال وإنَّا متشاركون في استحقاق العذاب.
فإن قيل: إن هذا منهم كذب؛ لأنَّهُمْ لكونهم رؤساء سادة وقادة، قد دعوا إلى الكُفْرِ والتَّرغيب فيه، فكانُوا ضالِّين مضلّين، وأمَّا الأتباع والضَّعفاء وإن كانوا ضَالين إلَاّ أنَّهُم ما كانوا مضلّين، فبطل قولهم: إنَّهُ لا فضل للأتباع على الرُّؤساء في تَرْكِ الضَّلال والكُفْرِ.
فالجواب: أنَّ أقصى ما في الباب أنَّهم كذبوا في هذا القول يوم القيامة، وعندنا أنَّ ذلك جائز كما قرّرناه في سورة الأنعام في قوله:{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٢٣] .
قوله:«فما» : هذه الفاء عاطفة هذه الجملة المنفيّة على قول الله تعالى للسَّفلة: «لِكُلِّ ضِعْفٌ» أي: فقد ثَبَتَ أنَّ لا فضل لكم علينا، وأنا متشاوون في استحقاق الضِّعف فذوقوا.
قال أبُو حَيَّان - بعد أنْ حكى بعض كلام الزَّمخشري -: والذي يظهر أنَّ المعنى انتفاء كون فضل عليهم من السَّفلة في الدُّنيا بسبب اتباعهم إيَّاهم، وموافقتهم لهم في الكُفْرِ أي: اتِّباعُكم إيّانا، وعدم اتِّباعكم سواء؛ لأنَّكُم كنتم في الدُّنيا عندنا أقلَّ من أن يكون لكم عيلنا فضِل بأتِّباعكم، بل كفرتم اختياراً، لا أنَّا حملْنَاكم على الكُفْرِ إجباراً، وأنَّ قوله:«فَمَا كَانَ» جملة معطوفة على جُمْلَةٍ محذُوفَةٍ بعد القَوْلِ دَلَّ عليها ما سبق من